حقيقة، تمنيت لو أن سعادة السفير اكتفى بقوله بأن اليمن قادم على مستقبل آمن ومزدهر.. ولم يكمل !نحن نؤمن يا سيادة السفير بأن اليمن حتمًا سينهض، وبأن مستقبله واعد وحافل بالخيرات سعادة السفير: لنفترض أننا قمنا بتنفيذ استطلاع جماهيري لقياس مدى ثقة اليمنيين بالأحزاب والجماعات السياسية والتكتلات الموجودة في المشهد السياسي، وبين أهم أربعة دبلوماسيين وسفراء مؤثرين في اليمن؛ لجاءت النتائج صفرًا للأحزاب وللحكومات التي فشلت على كافة المستويات؛ ولتفاوتت النتائج بعوامل وأسباب أخرى، منها أن الكثيرين من المحتمل والممكن أن يثقوا إلى حد ما بما يقوله السفراء الأربعة، منهم السيد "ستيفن فاجن"، لأنهم يحترمون أنفسهم ومهامهم، ومخلصون لأجندة ومصالح بلدانهم، ويحرصون على إظهار أجملها؛ مع أن الشيء الوحيد الذي نتفق عليه كيمنيين هو أن جل ما آلت إليه الأوضاع نتيجة المؤامرات والأطماع الخارجية، وليس نتيجة للفساد المستشري والنزاع القائم والمشاريع الصغيرة اللامنتمية لوطن عظيم بحجم اليمن الغالي الذي ينقصنا معرفة كيف نحبه نحن كيمنيين أولًا سيد "ستيفن": لقد مللنا من هذه المشاريع السخيفة، لم يعد للشعب اليمني، جنوبه وشماله، أمل بكيانات فاسدة ومستنسخة يعاد تدويرها لتقود قرية صغيرة داخل اليمن، فكيف بكيانات أثبتت للشعب وللعالم أجمع كم هي عاجزة عن تولي وإدارة الحكم، وتفتقد القدرة على لملمة وطن مبعثر؛ أو تعبر عنه، دعك أنت وبقية السفراء المؤثرين والمعتمدين في اليمن، من ممارسة المزيد من السياسة والدبلوماسية التي لا نحتاجها في هذه المرحلة التاريخية الحرجة، وكونوا أولًا عونًا لليمن في معالجة آثار فشل الحكومات السابقة، والعون للقضاء على الفساد المستشري في البلاد. وتبًا للمشاريع التي تمولونها، وهي تفتقر لمشروع صادق يحرص على مصلحة اليمن، ويسنده لينهض من تحت ركام الحرب، لا أن ينهال عليه بمزيد من العبء، اليمن يحتاج أن يتخلص من الفساد الذي دمر كل شيء، وفوت عليه فرصًا كثيرة كان يستطيع أن يستفيد منها إن استُغلت ووظفت كما يجب، ومن ذلك التمويلات والمنح والودائع الخارجية التي تحولت من منح ومساعدات إلى لعنة وكابوس أطال الحرب ومدد للنزاع في اليمن، على سبيل المثال، العقوبات المطبقة على مرتكبي غسيل الأموال محدودة، وقوانين معلقة؛ يأتي في مقدمة الأسباب فساد الكثير من المسؤولين الذين يتم إعادة تدويرهم، وضعف أداء الجهات المختصة، نتيجة الظروف السياسية والأمنية الحالية، ورغم وجود إطار قانوني ينظم هذه المسألة، إلا أن من أمن العقوبة أساء وأفسد، وأصبح أكمة يتوارى خلف نفوذه الفوضى والنهب وغسل الأموال، اليمن لديها قانون لمكافحة غسل الأموال وقوانين لمكافحة الفساد وقوانين قوية لم يترك فيها المشرع ثغرة إلا وعالجها؛ لكن ما فائدة القانون عندما يقف على تنفيذه مسؤول فاسد؟ أحد الاقتصاديين المستائين من الأوضاع، قال لي: ما فائدة قوانين قوية ينفذها لصوص؟ اعطني قانونًا ضعيفًا ينفذه مسؤول قوي وحكومة نزيهة، مترفعًا عن المشاريع الصغيرة؛ سليمًا معافى، ولا يعاني من انفصام في الشخصية، ليس ثمة أمل بحكومات متتالية يتربع فيها الفساد ويسمن ويتكاثر، ولن نراهن بعد عقود من الزمن على عصابات تردد وبكل بجاحة حرصها ومخاوفها على القانون، وتعد الشعب بمشاريع وأولويات أثبتت الأيام والسنوات وهي تتوالى أن مزاعم الفساد ليست سوى كذب وبجاحة معلنة وزيف محض، نحن نعيش ونرى ونسمع كيف يترعرع الفساد على أرض الواقع رغم كل هذا الفقر والبؤس والمعاناة التي يعيشها شعبنا الصابر المحتسب؛ إلا بتدخل الإرادة الإلهية لرفع كل هذا الظلم والجبروت، لا خيار أمام القوى الحية والإرادات الشريفة والرجال الغيورين على ما تبقى من هذا الوطن، إلا التحرك على المستوى الدولي ولدى الأشقاء لوقف الودائع التي استُغلت ووظفت خارج أهداف وشروط الوديعة، وبدلًا من إشباع الجياع، ملأت جيوب المسؤولين، وازدهرت وأزهرت في غسيل الأموال، فزاد الصراع للاستحواذ والسيطرة على القطاع الخاص وتقاسم خيرات البلد المثخن بالجروح، بدلًا من فرض عقوبات تعزز القوانين القائمة، التجارة الوهمية مثلها مثل تقارير الإنجاز لبعض الجهات التي غالبًا ما تستعرض أرقامًا قياسية محققة لتسجيل المشاريع والتصاريح الجديدة، وفي ظل هذا الأداء التعيس والمخيب، تنشأ مئات وآلاف الشركات الوهمية، وتستخدم كواجهة لتبرير الأموال المتدفقة من مصادر غير قانونية، وحتى إيرادات تسجيلها تجبى بغير سندات رسمية معتمدة من المالية العامة للدولة! إضافة إلى عدم إجراء إصلاحات لمنع المعاملات النقدية، لتجنب تتبع الأموال عبر النظام المصرفي، فيما أدى النزاع المستمر إلى تفكيك المؤسسات الحكومية، وزاد من صعوبة مكافحة هذه الظاهرة تضخم الفساد وتمدده وتطور قدراته ووسائله لمواكبة كل المتغيرات، من تلك الوسائل توظيف الأموال القذرة في تعزيز الفساد داخل المؤسسات الحكومية، وعدم الاستقرار، وتراجع الثقة في النظام المالي، مما يثني المستثمرين عن الاستثمار في البلاد، أخيرًا.. إن مكافحة غسيل الأموال في اليمن تبدأ من القضاء على الفساد المستشري في أعلى هرم الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، وغير المعترف بفاعليتها وجدواها محليًا، ذلك أن الفساد هو المشكلة رقم واحد التي يعاني منها اليمن، وتحدٍّ يتطلب جهودًا متكاملة من حكومة نزيهة، وليس من حكومة فاشلة ومجربة، ولا يكفي أن يعين على رأسها رئيس حكومة جاء بنوايا وأمنيات طموحة سقطت عند باب مكتبه، وعجز بعد أن استجمع كل خبراته وقدراته في تقليم أظافر وزرائه وطاقمه، فتاه وجانب الطريق، وتلاشت من خياله أمنيات التخلص من الأقوياء، فاستسلم وأذعن، لتحقيق أجندات الجماعة والحزب ما استطاع إليها سبيلًا.
سأختم هذا المقال بقصة من أرض الواقع، سأرويها لكم، وهي غيض من فيض: بحكم عملي بمجلة "الاستثمار"، أتواصل مع مستثمرين ومدراء شركات بعدن، وخلال السنوات الخمس الماضية؛ كان اسم باحارثة رئيس (مسلخة) أراضي الدولة، هو الأكثر حضورًا في شكاوى التجار والمستثمرين، أحد المستثمرين اليمنيين، عاد من غربته، واشترى أرضًا لإقامة مشروع، ودخل في سلسلة من التعقيدات والعراقيل، خاض أشرسها مع باحارثة، وبعد تدخل وسيط ذكي يعرف كيف تحل مثل هذه الأمور، تم عرض مبلغ لرئيس (مسلخة) أراضي الدولة؛ فرفض بظرافة طالبًا إضافة رقم 0 للرقم المعروض عليه، فوضى ووضع مزرٍ أصبحت معروفة، والقطاع الخاص عمومًا في حالة كبت وطفش وفقدان الأمل باستعادة الثقة بجدوى البقاء في بيئة يمارس فيها الفساد بكل بجاحة أمام مرأى ومسمع الجميع، وجهرًا، وفوق الطاولة؛ تضاف الأصفار، وفي الأداء كنتيجة حتمية للتهاون مع باحارثة وصحبه، ومن في نفوذه.