مباشر: يبدو أن اقتصاديات الأسواق الناشئة دخلت في "فترة هدوء" مؤخراً، لكن هل هناك مخاطر محتملة بالنسبة للاقتصاديات الناشئة؟.
ويطرح أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا "باري أيشنغرين" هذا التساؤل في رؤية تحليلية نشرها موقع "بروجيكيت سينديكيت".
وكانت التدفقات الرأسمالية الداخلة لمثل هذه الاقتصادات انخفضت خلال النصف الثاني من العام الماضي مع قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع معدل الفائدة خلال خمسة فصول متتالية كما قلص ميزانيته العمومية.
إيجابيات تدعم الأسواق الناشئة
لكن في يناير الماضي، أعلن الفيدرالي وقف عملية رفع الفائدة مع إمكانية استمرار هذا التوقف لفترة طويلة، حيث يشير حالياً المخطط النقطي (دوت بلوت) لأعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة إلى عدم وجود زيادة بمعدل الفائدة خلال الفترة المتبقية من هذا العام.
وعلاوة على ذلك، فإن الفيدرالي أشار إلى أن التشديد الكمي، وهي عملية السماح لسندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري بالتحرك داخل ميزانيته العمومية سوف تستمر حتى سبتمبر المقبل فقط.
ويعني ذلك فترة من الراحة بالنسبة للاقتصادات الناشئة والتي تمثلت في استئناف التدفقات الرأسمالية الداخلة.
ويبدو تكرار ما حدث في النصف الثاني من العام الماضي، أمراً غير مرجحاً في الوقت الراهن.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك تعافياً في الاقتصاد الصيني، كما أن الأسواق الناشئة الأخرى ذات الصلة بالصين عبر سلاسل التوريد العالمية وصادرات المواد الخام، مثقلة بشدة بديون الرافعة المالية التي تدعم نموها الاقتصادي.
وبالتالي، كان لديهم مبرر للقلق عندما انكمش النشاط الصناعي في الصين خلال فبراير الماضي للشهر الثالث على التوالي، وتراجع حجم الصادرات الصينية كما انخفضت مبيعات السيارات.
وفي الآونة الأخيرة وقبل أسبوعين تحديداً، كانت الغيوم تسيطر على كل شيء.
لكن حالياً نحن نعلم أن هذا التشاؤم كان مبالغ فيه، حيث تعافى النشاط الصناعي في الصين خلال مارس بدعم الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل السلطات الصينية.
كما أن صانعي السياسات يعتمدون أكثر على التحفيز المالي وبدرجة أقل على توفير السيولة من أجل تعويض ضعف الطلب.
ويرى الكاتب أن هذا شيء تستطيع الصين تحمله بشكل جيد.
ولا يزال الدين الحكومي منخفضاً وفقًا لمعايير الأسواق الناشئة، والأهم من ذلك أن الفرق بين معدل الفائدة ومعدل النمو، والذي يشكل ديناميكيات الديون، أقل من أيّ مكان آخر في العالم فعلياً.
وبناءً على ذلك، فإن الحكومة المركزية كانت قادرة على رفع حد الإعفاء الضريبي على الدخل وعلى إضافة خفض ضريبي على رعاية الآباء كبار السن.
كما كان أمام تلك الحكومة المجال لخفض الضرائب على الشركات الصغيرة كما يمكنها خفض ضريبة القيمة المضافة وإنفاق ما يصل إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي على السكك الحديدية والطرق ومشاريع أخرى، كما هو معلن في مارس.
ومن غير شك، فإن أعباء ديون الشركات الصينية كبيرة، كما لا يزال من المتوقع أن ينمو إجمالي التمويل الاجتماعي بنسبة 10% خلال العام الحالي، وهو ما يمثل وتيرة ارتفاع أسرع من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي.
وغالبية هذه السيولة الجديدة موجهة إلى الشركات غير الفعالة نسبياً المملوكة للدولة والمثقلة بالقروض المتعثرة.
ومع ذلك، تقوم الصين بإبقاء اقتصادها تحت الرقابة بدرجة كافية، بحيث يمكن للسلطات أن تخفف من التباطؤ الاقتصادي كما يشير تعافي القطاع الصناعي في الشهر الماضي.
وربما تأتي فترة الهدوء كذلك على جانب التعريفات، فربما عزز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابه ضد الصين بناءً على طلب من ممثله التجاري روبرت لايتهايرز، الذي يرى التهديدات كأمر ضروري من أجل الحصول على تنازلات من قبل الحكومة الصينية بشأن الملكية الفكرية ونقل التكنوولجيا.
كما أن هناك خطر فرض رسوم إضافية من جانب الولايات المتحدة على السلع والدول الأخرى مثل السيارات المصنعة في أوروبا والمكسيك.
لكن حديث ترامب عن التعريفات هو أسوأ من تصرفاته الفعلية في هذا الملف، فعندما ترفض الدول الأخرى التراجع وقبول مطالبه، يكون لديه تجارب سابقة بشأن قبول تنازلات محدودة وإعلان تحقيق النصر، كما هو الحال في إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية.
وكافة الإشارات الآن متاحة فيما يتعلق باتفاقية مماثلة وشيكة الحدوث مع الصين.
وفي الوقت نفسه، فإن ترامب لم يتخلى عن تهديد التعريفات الجمركية بشكل تام.
وتُعد النزاعات التجارية بمثابة ضوضاء خلفية مفيدة تعمل على تحويل الانتباه بعيداً عن الأزمات السياسية المستمرة كما تجعل الأمر يبدو وكأن الإدارة الأمريكية تقوم بفعل شيء يتعلق بمسألة النمو الاقتصادي الأمريكي الآخذ في التباطؤ.
ونتيجة لذلك، فإن تهديدات ترامب بشأن التعريفات الجمركية سوف تستمر في تعكير صفو الأسواق العالمية والعلاقات الدولية، لكنها لن تتحول إلى التورط في حرب تعريفات كاملة وانهيار كامل للنظام متعدد الأطراف.
الركود الأمريكي الخطر الأبرز
ولكن لا يزال هناك خطر كبير وجاد على الأسواق الناشئة: الركود الاقتصادي للولايات المتحدة.
ويشير انعكاس منحنى العائد في أواخر الشهر الماضي إلى أن المستثمرين يأخذون احتمال حدوث ركود للاقتصاد الأمريكي على محمل الجد.
ويعتقد بعض الحكماء في مؤسسات مثل "جي.بي.مورجان"، والذين قضوا حياتهم في توقع مثل هذه الأحداث، بأن هناك فرصة كبيرة لحدوث الركود في العام الحالي أو القادم.
وفي حالة حدوث ركوداً اقتصادياً، فإنه سيكون حاداً بسبب أنه سيكون هناك عدد قليل نسبياً من صناع السياسة الأمريكية الذين يمكنهم القيام بشيء حيال هذا الأمر.
ولا تزال معدلات الفائدة الأمريكية منخفضة ما يمنح الفيدرالي مجالاً محدوداً ليقوم بخفض الفائدة ودعم الاقتصاد.
وبسبب أن عجز الموازنة قد ارتفع بالفعل، فإنه سيكون هناك شهية أقل بالنسبة للتحفيز المالي.
وعلاوة على ذلك، فإن من شأن الركود الاقتصادي بالولايات المتحدة أن يتفاعل مع المخاطر الأخرى.
وقد يبحث ترامب عن شخص ما كي يلومه، وبالتالي يمكن أن تعود الحرب التجارية مرة أخرى.
وفي هذه الحالة، فإن الصين ستجد صعوبة أكبر في تجاوز مشكلة ديون الشركات، وهو الأمر الذي من شأنه أن يضعف المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي العالمي.
ولهذا السبب، فإن فترة الهدوء الأخيرة لاقتصادات الأسواق الناشئة قد تكون قصيرة الآجل.
وبالنظر إلى حالات عدم اليقين حيال السياسية النقدية الأمريكية وآفاق النمو الاقتصادي الصيني، فإنه من السابق لأوانه استنتاج أن تلك الدول تجاوزت مرحلة الخطر.