اقتصاد عالمي نُشر

اقتصاديون يحذرون: يجب التحرك سريعا لإخماد حريق الركود التضخمي!!

هل سيكون هناك ركود في الولايات المتحدة والاقتصادات الرائدة الأخرى؟ أثير هذا السؤال بشكل طبيعي بين المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.

اقتصاديون يحذرون: يجب التحرك سريعا لإخماد حريق الركود التضخمي!!

 هذا، على أي حال، هو السؤال الخطأ، على الأقل بالنسبة إلى الولايات المتحدة، السؤال الصحيح هو ما إذا كنا ندخل حقبة جديدة من ارتفاع التضخم وضعف النمو، بشكل مشابه للركود التضخمي في السبعينيات، وإن كنا كذلك، فماذا يعني هذا؟

تتجلى أوجه التشابه بين الارتفاع الحالي “المفاجئ” في التضخم إلى مستويات لم نشهدها منذ أربعة عقود وبين تلك الحقبة السابقة، عندما كان التضخم أيضا مفاجئا للجميع تقريبا، باستثناء خبراء النقد، تميزت تلك الحقبة أيضا بالحرب – حرب تشرين الأول (أكتوبر) في 1973 والحرب العراقية الإيرانية في 1980، أدت تلك الحروب أيضا إلى قفزات في أسعار النفط، ما قلص المداخيل الحقيقية، شهدت الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات ذات الدخل المرتفع نحو عقد من التضخم المرتفع والنمو غير المستقر وأسواق الأسهم الضعيفة، تبع ذلك تراجع حاد في معدلات التضخم في عهد بول فولكر، رئيس الاحتياطي الفيدرالي آنئذ، وتحول ريجان – تاتشر نحو الأسواق الحرة.

في الوقت الحالي يتوقع قليلون أي شيء مشابهه لذلك، لكن قبل عام لم يتوقع كثيرون الارتفاع الحالي في التضخم، الآن، وكما في السبعينيات، يعزى ارتفاع التضخم إلى صدمات العرض الناجمة عن أحداث غير متوقعة، في ذلك الحين، كما هي الحال الآن، كان ذلك جزءا من الصورة، لكن الطلب المفرط يتسبب في تحول أزمات العرض إلى تضخم مستدام، حيث يعاني الناس للمحافظة على مداخيلهم الحقيقية وتسعى البنوك المركزية للحفاظ على الطلب الحقيقي، وهذا سيؤدي إلى ركود تضخمي، مع فقدان الناس إيمانهم بالتضخم المستقر والمنخفض، وافتقار البنوك المركزية للشجاعة اللازمة لاستعادته.

في الوقت الحاضر لا تتوقع الأسواق مثل هذه النتيجة. نعم، كان هناك تراجع في سوق الأسهم الأمريكية. لكنها، وفقا للمعايير التاريخية، لا تزال باهظة الثمن، لا تزال نسبة السعر /الأرباح المعدلة دوريا ـ الموضوعة من قبل روبرت شيلر، من جامعة ييل ـ عند مستويات لم يتم تجاوزها إلا في 1929 وأواخر التسعينيات، وعلى أقصى تقدير، يعد هذا تصحيحا معتدلا للتجاوزات، وهو ما تحتاج إليه سوق الأسهم، تتوقع الأسواق أن تظل أسعار الفائدة قصيرة الأجل دون 3 في المائة، حتى إن توقعات التضخم، التي تظهرها الفجوة بين العوائد على السندات التقليدية وتلك المرتبطة بالمؤشر، انخفضت قليلا في الآونة الأخيرة، إلى 2.6 في المائة.

بشكل عام، ينبغي أن يكون الاحتياطي الفيدرالي سعيدا. تشير التحركات في الأسواق إلى أن وجهة نظره بشأن المستقبل – تباطؤا معتدلا مدفوعا بتشديد معتدل يؤدي إلى تخفيف التضخم سريعا نحو الهدف – تحظى بقبول واسع النطاق، فقبل شهرين فقط، كان متوسط توقعات أعضاء مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي والرؤساء الإقليميين لـ2023 هو نمو الناتج المحلي الإجمالي 2.2 في المائة، وانخفاض التضخم الأساسي إلى 2.6 في المائة، والبطالة عند 3.5 في المائة، وسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية عند 2.8 في المائة.

هذا يخفف التضخم فعليا، لكن من غير المحتمل أن يحدث شيء من هذا القبيل. ذلك أن العرض الأمريكي مقيد في المقام الأول بالتوظيف المفرط، كما أشرت قبل أسبوعين فقط. في غضون ذلك، كان الطلب الاسمي يتوسع بوتيرة متسارعة، متوسط نمو الطلب الاسمي لمدة عامين “يشمل 2020 الذي تفشى فيه كوفيد” تجاوز 6 في المائة، وفي العام المنتهي في الربع الأول من 2022، نما الطلب الاسمي فعليا أكثر من 12 في المائة.

نمو الطلب المحلي الاسمي حسابيا وليد ارتفاع الطلب على البضائع والخدمات الحقيقية، وارتفاع أسعارها، من ناحية العلاقة السببية، إذا توسع الطلب الاسمي بشكل أسرع بكثير من قدرة الإنتاج الحقيقي على مواكبته، فإن حدوث التضخم يصبح حتميا، في حالة وجود اقتصاد كبير مثل الولايات المتحدة، الزيادة في الطلب الاسمي ستؤثر أيضا في أسعار الإمدادات من الخارج، وحقيقة أن صانعي السياسات في أماكن أخرى اتبعوا سياسات مشابهة ستعزز ذلك، نعم، تسبب الركود الناجم عن كوفيد في إيجاد تراجع كبير، لكن ليس إلى هذا الحد، ذلك أن أزمة العرض السلبية للحرب في أوكرانيا جعلت الأمر أكثر سوءا.

مع ذلك لا يمكننا أن نتوقع أن يتباطأ هذا النمو السريع في الطلب الاسمي إلى 4 في المائة أو نحو ذلك، بحيث يتوافق مع النمو الاقتصادي المحتمل والتضخم ـ وكلاهما عند نحو 2 في المائة سنويا، نمو الطلب الاسمي أعلى بكثير من أسعار الفائدة، حقيقة، لم يصل إلى معدلات لم نشهدها منذ السبعينيات فحسب، بل إن الفجوة بينه وبين سعر الفائدة لمدة عشرة أعوام أكبر بكثير مما كانت عليه في ذلك الوقت.

لماذا يخشى الأشخاص الذين يشهدون نمو دخولهم الاسمية بمثل هذه المعدلات من الاقتراض بشكل كبير عند أسعار فائدة منخفضة، ولا سيما عندما يكون لدى كثيرين ميزانيات عمومية أقوى بفضل الدعم في فترة كوفيد؟ أليس من الأرجح بكثير أن يظل نمو الائتمان قويا، وبالتالي الطلب الاسمي؟ ضع ما يلي في الحسبان، حتى لو انهار النمو السنوي في الطلب الاسمي إلى 6 في المائة، فإن ذلك يعني تضخما 4 في المائة، وليس 2 في المائة.

لقد أشعل اجتماع السياسات المالية والنقدية التي نفذت في 2020 و2021 حريقا تضخميا، والاعتقاد بأن ألسنة اللهب هذه ستنطفئ بحركة متواضعة في أسعار الفائدة، مع عدم ارتفاع البطالة، هو تفكير متفائل للغاية، لنفترض أن هذا المنظور القاتم صحيح، حينها سينخفض التضخم، لكن ربما إلى 4 في المائة أو نحو ذلك فقط، وسيصبح التضخم الأعلى هو الوضع الطبيعي الجديد، عندها سيحتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى التصرف مرة أخرى أو التخلي عن هدفه، ما يؤدي إلى زعزعة التوقعات وفقدان المصداقية، ستكون هذه دورة ركود تضخمي – نتيجة تفاعل الصدمات مع الأخطاء التي يرتكبها صناع السياسة المالية والنقدية.

التداعيات السياسية مقلقة، ولا سيما بالنظر إلى الفائض الهائل من الشعبويين المجانين، مع ذلك، استنتاجات السياسة واضحة أيضا، إذا علمتنا السبعينيات أي درس، فهو أن وقت كبح جماح الزيادة التضخمية يكون في بدايتها، عندما تكون التوقعات لا تزال في جانب صانعي السياسة، يتعين على الاحتياطي الفيدرالي التأكيد على أنه مصمم على خفض نمو الطلب إلى معدلات تنسجم مع النمو المحتمل للولايات المتحدة وهدف التضخم، علاوة على ذلك، لا يكفي قول هذا فحسب، بل يجب فعله.

 

الاقتصادية


 

مواضيع ذات صلة :