لا تزال العملات المشفرة تشهد حالة من التذبذب، ترتفع حينا وتنخفض حينا، ومؤخرا شهدت خلال الأسبوع الماضي والى غاية أمس مجموعة من التقلبات والتذبذبات في الاسواق العالمية، حيث انخفضت بنسبة كبيرة عصفت بقيمتها السوقية، وبالأخص عملة لونا المشفرة التي انخفضت في ظرف قياسي من مستوى 80 دولارا أمريكيا الى دون الواحد دولار ، وتحديدا عند مستوى 0.00022 دولار ، كما شهدت العملات المشفرة الأخرى تقلبات ملحوظة ومنها عملة البتكوين التي هوت بدورها الى مستوى 29 الف دولار والتي سجلت انخفاضا أسبوعيا بنحو 13%.
الى ذلك، فقد بلغت القيمة السوقية العالمية للعملات المشفرة المجمعة الى نحو 1.28 تريليون دولار، بعد تعافيها يومي السبت والأحد بنسبة قدرها 4.30% عن اليوم الماضي.
كما أظهرت البيانات المجمعة للعملات المشفرة أن إجمالي حجم سوق التشفير في العملات الالكترونية خلال الـ 24 ساعة الماضية هو 80.71 مليار دولار، مما يؤدي إلى انخفاض بنسبة 17.72% يبلغ الحجم الإجمالي في ديفي حاليًا 11.41 مليار دولار، 14.14% من إجمالي حجم سوق التشفير على مدار 24 ساعة، ويبلغ حجم جميع العملات المستقرة الآن 72.28 مليار دولار، وهو ما يمثل 89.55% من إجمالي حجم سوق التشفير على مدار 24 ساعة، كما بلغ سعر البيتكوين نحو 29890.66 دولارًا في تعاملات أمس وفقا للمواقع الالكترونية التي ترصد هذه التعاملات حيث واصلت عملة البيتكوين المشفرة هيمنتها حاليًا بما نسبته 44.38% رغم انخفاض تحقيقها انخفاض قدره 0.28٪ خلال يوم السبت الماضي.
سوق العملات
وأدت تلك الانخفاضات الى محو أكثر من 200 مليار دولار في سوق العملات الرقمية في غضون 24 ساعة فقط، وذلك وفقا لتقديرات موقع كوين ماركيت كاب حيث ادى الهبوط الكبير الذي شهدته العملات الرقمية، مدفوعا بانهيار عدد من العملات التي أثر بشدة على العملات الرقمية الرئيسية، حيث انخفضت عملة البيتكوين بنسبة تصل إلى 13%، وبلغت العملة أدنى مستوى لها منذ ديسمبر 2020، بينما انخفضت عملة ايثريوم بنسبة تصل إلى 16%، ويشار في ذات الإطار، فإنه منذ مطلع الشهر الجاري، سجلت عملة البيتكوين تراجعا بنحو 20%، وإذا استمر هذا الاتجاه فقد يكون هذا هو أسوأ أداء لها منذ مايو من العام الماضي، حينها سجلت عملة البيتكوين انخفاضا بنسبة 35%.
وقد ساهمت تلك الانخفاضات والتذبذبات المسجلة في أسواق العملات المشفرة طيلة الأشهر الماضية في الضغط بشكل كبير ومباشر على التعاملات الخاصة بالشركات التي تنشط وتوظف أموالها في هذه العملات المشفرة، فعلى سبيل المثال أعلنت شركة الوساطة المختصة في مجال العملات المشفرة عن خسارة في الربع الأول، حيث انخفضت الإيرادات بنسبة 27 بالمائة عن العام الماضي، مخالفة بذلك توقعات وول ستريت وانخفضت أسهم "كوين بيس" بأكثر من 25٪، يوم الأربعاء الماضي ووصلت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، وكان لذلك انعكاس على حركة المستثمرين في الأسواق العالمية الذين أخذوا منحى مغايرا لما كانوا عليه طيلة الأشهر الماضية، حيث سارعوا إلى التخلص مما بحوزتهم من العملات الرقمية، ما أدى بدوره إلى هبوط سوق تلك العملات، كما تحاول الشركات التي تقف وراء العملات الرقمية المستقرة أن تضمن استمرار التساوي في القيمة بين تلك العملات وأصول مستقرة مثل الدولار الأمريكي بمعنى أن كل عملة رقمية واحدة تعادل واحد دولار، وعلى سبيل المثال كذلك فان الأسهم المرتبطة بالعملات الرقمية في آسيا تراجعت أيضا، حيث أغلقت شركات التكنولوجيا المالية المرتبطة بالعملات المشفرة والمدرجة في هونغ كونغ، على انخفاض بنسبة 6.7%، فيما أنهت مجموعة من الشركات اليابانية، التي تمتلك أسواق ومنصات تداول العملات المشفرة على انخفاض بنسبة بلغت نحو 10%.
أسباب للهبوط
يرجع الخبراء والمختصون في اسواق المال والعملات تلك الانخفاضات والتقلبات المسجلة في سوق العملات المشفرة الى مجموعة من العوامل الرئيسية التي كان التأثير الكبير على سوق العملات المشفرة وحركته بشكل متذبذب، ومن بين تلك العوامل وعلى رأسها تحركات البنك المركزي الأمريكي والمعروف اختصارا بالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي قام مؤخرا وتحديدا منذ أسبوعين برفع اسعار الفائدة الدولارية لا على مستوى منذ 22 عاما حيث رفع سعر الفائدة الأمريكية بنسبة 0.5%، وذلك في محاولة منه للسيطرة على التضخم وهو ما عُدّ تحولًا عكسيًّا في السياسات التي عززت أسعار العملات الرقمية في عام 2020، حيث بلغ تضخم أسعار المستهلك في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو أعلى مستوى له منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي وقد يستمر في الارتفاع في الأشهر القليلة المقبلة ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى صدور أخبار مزعجة لصانعي السياسات في بنك إنجلترا وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي.
أما العامل الثاني فهو تحول شهية كبار الأثرياء والمتعاملين في الأسواق المالية المشفرة الى التعامل مع العملات البديلة التي يراهن عليها الناس، مشيرة إلى أن عملات مثل سولانا، وبولكدوت وكاردان، وأفلانش في طريقها لتصبح عملات مشفرة رئيسة في منافسة بتكوين وإثيريوم، إذ أظهرت هذه العملات نجاحًا في المعاملات في سوق العملات الرقمية على حساب بتكوين، كما أنها أصبحت من العملات المحبذة كما أن أزمة الطاقة العالمية وتهديد روسيا بحظر استخدام البتكوين من بين الأسباب التي تصعب مهمة بتكوين في تحقيق الاستقرار في السعر والتداول في سوق العملات الرقمية.
ميتافيرس
أما العامل الثالث فهو القيام بعمليات تجميع من قبل العديد من الشركات على بعض العملات المشفرة ضئيلة القيمة في عملية استباقية للتحولات المتضمنة في مجال التكنولوجيا المالية والتقنية الحديثة في العالم الافتراضي التي يتم الإعداد له من خلال ميتافيرس، والذي سيتم فيه بيع المنتجات والاستثمار بالعملات المشفرة. اما العامل الرابع الذي كان له تأثير على حركة الأسواق الخاصة بالعملات المشفرة مخاطر الكلية من قِبَل الحكومات والمؤسسات المالية التقليدية.
في المقابل، فان العامل الخامس والاهم هو تواصل تقدم دراسة واعداد مشروع الدولار الامريكي الالكتروني، في ظل ارتفاع اسعار الفائدة وفي حال اعتماد الدولار الأمريكي الالكتروني كعملة رسمية تكون مدعومة بالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، حيث سيضغط بذلك وبشكل كبير على العملات المشفرة المختلفة حيث سيعامل الدولار الأمريكي الالكتروني معاملة الدولار الورقي الرسمي.
ارتفاعات قياسية
يشار الى أن العديد من العوامل والأخبار الاقتصادية والاستراتيجية لعبت خلال الفترة الماضية دورا كبيرا في تحقيق العملات الإلكترونية وعلى رأسها عملة البيتكوين لارتفاعات قياسية وغير مسبوقة، وفي مقدمة تلك العوامل الاستراتيجية، هو إعلان شركة تسلا عن استثمارها 1.5 مليار دولار في العملة المشفرة في يناير الماضي، وقالت الشركة الأمريكية إنه من المتوقع أن تبدأ في قبول الدفع بالعملة الرقمية مقابل سياراتها ومنتجاتها الأخرى في المستقبل القريب.
وأشارت إلى أنها قد تستحوذ على أصول رقمية وتحتفظ بها من وقت لآخر أو على المدى الطويل، ويأتي ذلك في إطار سياستها الاستثمارية الواسعة النطاق، وشهدت شركة تسلا خلال العام الماضي قفزات عملاقة، حيث حقق سهم تسلا ارتفاعا كبيرا في عام 2020 بنسبة 695% وبقيمة تجاوزت 790 مليار دولار كقيمة سوقية إجمالية، الأمر الذي كان له انعكاس كبير على سوق العملات الإلكترونية المشفرة، ودفع البعض للإشارة إلى أن الفترة المقبلة قد تقود تحولا جذريا نحو العملات الإلكترونية خاصة إذا ما أقبلت عليها كبرى الشركات العالمية لتنفيذ جانب من مبيعاتها أو أنشطتها التجارية أو لتكوين احتياطيات نقدية ربما تكون بعيدة كل البعد عن الرقابة التشريعية والضريبية والقوانين الرقابية التي تحدد التحركات النقدية والتدفقات المالية الصادرة والواردة على تلك الشركات وفقا للأطر النظامية التي تحدد التعاملات في صلب المراكز المالية لتلك الشركات العالمية والتي قد تشرع خلال الفترة المقبلة في التعامل بتلك العملات.
إجراءات احترازية
وقد يرى البعض أن للعملات الإلكترونية والرقمية المشفرة العديد من المزايا والنقاط الإيجابية المستقبلية، خاصة بعد التحول الكبير الذي سجلته العالم خلال العام الماضي، من خلال الإقبال على استخدام أنظمة الدفع الإلكتروني والتركيز على التكنولوجيا والمواقع الرقمية بسبب الإجراءات الاحترازية التي تهدف إلى الحد من تفشي فيروس كورونا "كوفيد 19"، إلا أن واقع وآفاق العملات الإلكترونية لا يزال يكتنفه الغموض والضبابية، كما تحيط به العديد من المخاطر المتشعبة وعلى رأسها شبهة ارتباط هذه العملات الإلكترونية بعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالإضافة إلى الجرائم المتعلقة بالإتجار بالبشر والاتجار بالمخدرات وجرائم الاتجار في الأسلحة والأسلحة المحظورة، وغيرها من الجرائم العابرة للقارات والتي يصعب تقفي أثرها، بالإضافة إلى عمليات التهرب الضريبي وإخفاء الأموال، خاصة أن تلك العملات مشفرة بالكامل ولا تخضع للرقابة ولإشراف الجهات التنظيمية والسلطات الإشرافية على غرار البنوك والمصارف المركزية، بالإضافة إلى وزارات المالية في مختلف دول العالم ومتابعة الأجهزة الأمنية لتلك التدفقات للتحري في مدى سلامة تلك الأموال، ونقاوة المعاملات المالية المنفذة من خلال العملات الإلكترونية من أي شبهات جرائم وعمليات احتيال تخالف القوانين واللوائح التنظيمية والرقابية، حتى وإن كانت بعض الدول التي تعد على الأصابع تجيز التعامل في تلك العملات الرقمية والإلكترونية المعماة.
لوسيل