اقتصاد يمني نُشر

توقعات بنمو الاقتصاد الخليجي 3.2 % العام الجاري

قال تقرير حديث صادر عن البنك الدولي حول الآفاق الاقتصادية العالمية 2010 إن التوقعات الخاصة باقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تشير إلى نمو هذه الاقتصادات بنسبة 3.2 في المائة عام 2010، ثم ترتفع إلى 4.1 في المائة العام المقبل، مع التوقع باستقرار أسعار البترول فوق مستوى 75 دولارا للبرميل هذا العام، كما ستستفيد اقتصادات دول المجلس من التعافي الاقتصادي في أوروبا. كما سيعاود الرصيد المالي التحسن من 11 في المائة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2009 إلى 14.5 في المائة عام 2011، مما يوفر دعما للطلب المحلي ويعيد بناء الاحتياطيات العالمية لدول المجلس.

وحذر التقرير من عدة مخاطر تظل ماثلة أمام توقعات النمو للاقتصادات الخليجية عام 2010 منها تباطؤ الانتعاش الاقتصادي العالمي وعدم استقرار الأوضاع السياسية الإقليمية التي تحد من تدفق الاستثمارات العالمية ونمو الاستثمار الخاص وتقلب أسواق الأسهم. كما أن أزمة دبي أبرزت مجددا التخوف من تأثر الميزانيات العمومية للبنوك التجارية من الديون المتعثرة.

وستكون مواصلة الإنفاق العام على البنية التحتية والتنمية الاجتماعية عنصرا أساسيا للمساعدة على تحقيق إمكانات هذه الاقتصادات، وسيتعين على الحكومات أيضا الشروع في وضع استراتيجيات لسحب دعم السيولة الاستثنائي الذي قدمته في أثناء الأزمة لتخفيف حدة آثارها.

وستظل أولويات الأجل المتوسط تتضمن تطوير الأسواق المالية - بما يشمله من تنويع في النظام يتجاوز حدود النظام المالي القائم على البنوك - وكذلك جهود تحسين مناخ الاعمال بغية دعم التنوع في النشاط الاقتصادي وإيجاد فرص العمل.

وفيما يخص أداء الاقتصادات الخليجية عام 2009، قال التقرير أنها حققت نموا سالبا قدره 0.6 في المائة بسبب تراجع حجم الإنتاج النفطي مع انخفاض الأسعار، وهو الذي أدى إلى تراجع العوائد النفطية بنسبة 30 في المائة من 755 مليار دولار عام 2008 إلى 485 مليار دولار عام 2009.

وقال التقرير إنه اعتمادا على الاحتياطيات الكبيرة التي تجمعت قبل الأزمة، تحركت الحكومات لمواجهة الأزمة بانتهاج سياسات توسعية على مستوى المالية العامة وتوفير دعم السيولة لقطاعاتها المالية، ما أسهم في احتواء تأثير الأزمة على الاقتصاد ككل. وساعدت هذه السياسات كذلك على الحفاظ على مستويات الواردات المرتفعة نسبيا أثناء الأزمة، مما أسهم بدوره في التخفيف من حدة الهبوط الاقتصادي العالمي. وترتب على ذلك انخفاض فائض الحساب الجاري في هذه البلدان بنحو 350 مليار دولار.

ومع ارتفاع أسعار النفط وعودة الانتعاش المنتظر في الطلب العالمي، يتوقع التقرير أن ترتفع الإيرادات النفطية فتسمح للبلدان المصدرة للنفط بما يسمح بإعادة بناء ارصدة احتياطياتها الدولية بأكثر من 100 مليار دولار عام 2010، ما يسهم في وضع الأساس اللازم للحفاظ على مستوى الإنفاق العام. ومع التوقعات بزيادة حصة مجلس التعاون الخليجي من الواردات العالمية من 2.7 في المائة في عام 2008 إلى 3.2 في المائة في عامي 2009 و2010، يتوقع أن يظل إسهام المنطقة في الطلب العالمي قويا.

وبينما لم تكن معظم البنوك في المنطقة معرضة لمخاطر الأصول المتعثرة، إلا أنها تضررت من انهيار أسواق الأصول المحلية وسحب الأرصدة بالنقد الأجنبي. غير أن اتخاذ الإجراءات الفورية والقوية على مستوى السياسات أدى إلى احتواء هذه التداعيات.

وقد كشفت الأزمة عن بعض أوجه القصور في القطاع المالي في المنطقة، أبرزها صعف نظم إدارة المخاطر والإفراط في الرفع المالي للمؤسسات، وفي المرحلة المقبلة ستظل التدابير الرامية إلى تقوية التنظيم والرقابة الماليين - التي يجري استحداثهما في بعض البلدان بالفعل - عنصرا بالغ الأهمية.

من جهة أخرى، قال التقرير إن إن التعافي الاقتصادي الذي يشهده العالم حالياً سيتباطأ في وقت لاحق من هذا العام مع انحسار تأثير برامج التحفيز الاقتصادي. وأضاف أن الأسواق المالية مازالت تشعر بالقلق، وأن الطلب من القطاع الخاص مازال دون التوقعات وسط ارتفاع معدلات البطالة.

ويحذر التقرير من أنه رغم أن أسوأ آثار الأزمة قد وقعت بالفعل، فإن تعافي الاقتصاد العالمي مازال هشاً. ويتوقع التقرير أن تؤدي آثار الأزمة إلى تغيير المشهد العام بالنسبة للتمويل والنمو على مدى السنوات العشر المقبلة.

ووفقاً لهذا التقرير، من المتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي العالمي، الذي تقلص بواقع 2.2 في المائة في عام 2009، بنسبة 2.7 في المائة هذا العام، و3.2 في المائة في عام 2011.

وتشير التوقعات الخاصة بالبلدان النامية إلى تحقق تعاف قوي نسبياً، حيث ستنمو بنسبة 5.2 في المائة هذا العام، و5.8 في المائة في عام 2011، وذلك مقابل 1.2 في المائة في عام 2009. أما إجمالي الناتج المحلي في البلدان الغنية، الذي تقلص بنسبة 3.3 في المائة في عام 2009، فمن المتوقع أن يرتفع بوتيرة أقل سرعة بواقع 1.8 في المائة و 2.3 في المائة في عامي 2010 و2011 على التوالي. ومن المتوقع كذلك أن ينمو حجم التجارة العالمية، الذي تراجع بدرجة كبيرة بلغت 14.4 في المائة في عام 2009، بنسبة 4.3 في المائة هذا العام و6.2 في المائة في عام 2011.

ورغم أن هذا السيناريو هو الأرجح، فإن الغيوم الكثيفة المصاحبة لحالة عدم اليقين مازالت تحجب الآفاق. فمعدلات النمو في عام 2011 يمكن أن تتراوح بين 2.5 و 3.4 في المائة وذلك تبعاً لمستوى ثقة المستهلكين ومؤسسات الأعمال في الفترات ربع السنوية القليلة المقبلة، وتوقيت انحسار أثر برامج التحفيز الاقتصادي والنقدي.

وقادت منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ التعافي في الاقتصاد العالمي العام الماضي، مما يعكس الخطوات القوية التي تم اتخاذها على صعيد المالية العامة، وقوة الطلب المحلي. وكانت الصين، التي حققت معدل نمو بلغ 8.4 في المائة العام الماضي، قاطرة النمو في المنطقة، وهو اتجاه يُتوقع أن يستمر هذا العام في ضوء توقع نمو إجمالي الناتج المحلي في الصين بواقع 9 في المائة.

وكانت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أقل المناطق تأثراً بحدة الأزمة مقارنة بالمناطق الأخرى، حيث تباطأ إجمالي الناتج المحلي بصفة عامة إلى 2.9 في المائة في عام 2009. وأشارت التقديرات إلى أن معدل النمو بين البلدان النامية المستوردة للنفط كان في حدود 4.7 في المائة في عام 2009. أما البلدان المصدرة للنفط، فقد هبط معدل النمو فيها ليصل إلى 1.6 في المائة، مما يعكس قيود الإنتاج، وتراجع الإيرادات النفطية. وبالنسبة للمنطقة ككل، من المتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي بواقع 3.7 في المائة في عام 2010، و4.4 في المائة في عام 2011. وترتكز هذه التوقعات الخاصة بالتعافي على تحسّن الطلب العالمي على النفط، مما سيؤدي بدوره إلى استقرار أسعاره، ونشاط أسواق الصادرات الرئيسية. وعلى الرغم من الانحسار التدريجي لتدابير برامج التحفيز الاقتصادي، فإن التحسن المعتدل في جوانب الإنفاق الاستهلاكي والرأسمالي سيشكل ركيزة أكثر ثباتاً للنمو.

ويمضي التقرير في التحذير من أن الأمر سيستغرق عدة سنوات، بالرغم من عودة النمو إلى معدلات إيجابية، قبل أن تعوض الاقتصادات الخسائر التي لحقت بها بالفعل. ويقدر التقرير أن يرتفع عدد الذين يعيشون في براثن الفقر المدقع (على أقل من 1.25 دولار للفرد في اليوم) بواقع 64 مليون شخص آخر في عام 2010 مقارنة بما سيكون عليه الحال لو لم تقع الأزمة.

علاوة على ذلك، من المتوقع خلال الأعوام الخمسة إلى العشرة المقبلة أن تؤدي زيادة تفادي تحمل المخاطر، وتطبيق تدابير تنظيمية أكثر تحوطاً، والحاجة لكبح بعض ممارسات الإقراض الأكثر خطورة التي سادت خلال فترة الانتعاش قبل اندلاع الأزمة إلى شح رؤوس الأموال وارتفاع تكلفتها بالنسبة للبلدان النامية.

وبينما يُرجح أن يتأثر التمويل بكافة أشكاله بفعل هذه الأزمة، فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة ستواجه قدراً أقل من القيود مقارنة بتدفقات الديون. لكن الشركات الأم ستعاني من ارتفاع تكاليف رأس المال، الأمر الذي سيحد من قدرتها على تمويل بعض المشروعات. ونتيجة لذلك، فإنه من المتوقع أن تهبط تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من مستويات الذروة البالغة 3.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبلدان النامية التي بلغتها في عام 2007 إلى نحو 2.8 - 3.0 في المائة في الأمد المتوسط. وقد تكون العواقب الناشئة عن هبوط كهذا خطيرة لأن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تمثل ما يصل إلى 20 في المائة من مجموع الاستثمارات في مناطق إفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية.

ويخلص هذا التقرير إلى أن الأوضاع المالية الدولية المتساهلة خلال السنوات 2003 - 2007 أسهمت في زيادة توافر التمويل وارتفاع معدلات النمو في البلدان النامية. فالانخفاض الكبير في تكلفة أسعار الاقتراض شجع على زيادة تدفقات رؤوس الأموال الدولية والقروض التي تقدمها البنوك المحلية، وهو ما أسهم في زيادة معدلات الاستثمار في البلدان النامية بواقع 30 في المائة. كما أسهم التوسع السريع الناشئ في مجموع رؤوس الأموال في تحقيق أكثر من نصف الزيادة البالغة 1.5 نقطة مئوية في معدل نمو الإنتاج المحتمل بين البلدان النامية. ورغم أن معدلات النمو القوية للغاية التي شهدتها البلدان النامية خلال فترة الانتعاش الاقتصادي قد تعكس إمكانات النمو الأساسية، فإن الأوضاع المالية التي عززتها لم تكن قابلة للاستمرار بشكل واضح.


 

مواضيع ذات صلة :