اقتصاد يمني نُشر

‫‫لهيب الأرض وإرتفاع الأسعار ..أعتاد عليها المواطن المصري خلال رمضان من كل عام

الأجواء في مصر هذه الأيام تتشابه إلى حد كبير بأجواء الخليج، فالرطوبة ترتفع بشكل غير مسبوق تصل إلي نحو 90 في المائة والحرارة ما بين 35 إلى 40 درجة في الأيام العادية وتفوق الـ 45 درجة في الكثير من أيام هذا الصيف الذي حول الأجواء إلى لهيب حارق.

هذا اللهيب كان له دور سلبي في الأزمة المعتادة التي تشهدها الأسواق المصرية قبيل شهر رمضان المبارك من ارتفاع غير مبرر ومسبوق في أسعار مختلف السلع، حيث تسبب الحر في تلف كميات كبيرة من محاصيل الفاكهة والخضروات، التي ارتفعت اسعارها الى مستويات غير مسبوقة إضافة الى زيادة الحصة التصديرية التي سحبت كميات كبيرة إلى الخارج بغض النظر عن احتياج السوق إليها.

المصريون لهم قصة متكررة مع الغلاء فهي الغول الذي لا يقف في طريقه احد ولم تفلح أي محاولات للحد منه، والقصة تتكرر بشكل رئيسي في يوليو من كل عام عند زيادة العلاوة الدورية وقبيل شهر رمضان. وهذا العام اجتمع الأمران معا مما زاد من جنون الأسعار، خصوصاً اللحوم والدواجن.

القبس قامت بجولة في الأسواق للوقوف على طبيعة هذا الجنون وكانت البداية في سوق التوفيقية، وسط القاهرة، المخصص للخضار والفاكهة. ويختلف سوق التوفيقية عن معظم الأسواق الشعبية حيث تعرض فيه بضاعة تسمى «الفرز الأول» مما يؤشر على ارتفاع ثمنها.

وقف حال

أسامة غريب (بائع فاكهة) أوضح لـالقبس أن معدلات أسعار الفاكهة هذا العام مختلفة عن أي من السنوات السابقة، مرجعا ذلك إلى موجات الحر التي تتعرض لها مختلف المحافظات اسفرت عن تلف المحصول، وقلل المعروض منها بشكل كبير ورفع أسعارها بشكل كبير.

ويوضح أسامة أن اقل صنف للفاكهة يتراوح سعره ما بين ثمانية إلى عشرة جنيهات ويصل أحيانا إلى 25 و30 جنيها للكيلو، مشيرا إلى أن الامر يؤثر في تجارته بشكل كبير كونه يقلل من الإقبال على شراء بضاعته التي تتعرض أحيانا للتلف مما يؤدي إلى وقف حاله.

تخزين واحتكار

ويطرح محمد فتوح (بائع فاكهة وخضار) سببا آخر لزيادة الأسعار ويقول ان كبار التجار لجأوا لتخزين كميات كبيرة من الفاكهة في الثلاجات تمهيدا لبيعها في شهر رمضان الذي سيأتي في الصيف هذا العام ويشتد الإقبال فيه على العصائر والفاكهة فيستغلون فارق الأسعار الكبير عند طرحه في الشهر الكريم والذي يصل أحيانا إلى الضعف.

ويضيف ان أسعار الخضروات أرحم من الفاكهة وتشهد انخفاضا في أسعارها أحيانا، لكنها بصفة عامة أصبحت أغلى من السنوات الماضية.

المتاجر الكبيرة

جولة أخرى قامت بها القبس في احدى محلات السوبر ماركت الكبيرة في منطقة الهرم بالجيزة، حيث أكد رضا علي (مدير المبيعات) أن أسعار الأرز والسكر والزيوت هي التي شهدت ارتفاعا وصل لنحو %100 خلال الأسابيع الماضية خاصة الأرز.

وأضاف : معدلات الشراء متوسطة، وتزيد عند تقديم بعض العروض والتخفيضات، لكن الارتفاع الأخير في ثمن بعض السلع قلل من معدل البيع خصوصا أنها سلع أساسية مثل الأرز الذي قفز سعره من 2.5 و3 جنيهات للكيلو الى 6 جنيهات فيما يتراوح سعر السكر ما بين خمسة إلى 6 جنيهات بعد أن كان يتراوح ما بين 4 إلى 4.5 جنيهات.

شنطة الخير

وأوضح أن نسبة الإقبال على الشراء تزداد في شهر رمضان بسبب عادات الأكل عند المصريين من جهة، وانتشار العادات الحميدة المرتبطة بالشهر الكريم من إخراج الزكاة من خلال مشروع «شنطة رمضان» أو كما يسميها البعض «شنطة الخير»، وهي حقيبة تمتلئ بالمكونات الرئيسية التي تحتاجها أي أسرة ويتم توزيعها على الفقراء، وتلقى رواجا كبيرا ويزيد الإقبال عليها قبيل الشهر الكريم وهي تساعدنا أيضا في ترويج بضاعتنا بشكل جيد.

الحلو أسعاره مرة

الأمر لم يكن أحسن حالا بالنسبة إلى الحلويات وياميش رمضان الذي يرتفع تلقائيا كل عام خاصة ان نسبة كبيرة منه يتم استيرادها من الخارج . في احد المحلات الشهيرة بوسط القاهرة والمخصصة لبيع الحلويات وياميش رمضان وقف عدد من المواطنين ينظرون بدهشة لهذه الأسعار. أما داخل المحل فتراوحت أسعار الياميش ما بين 50 جنيها للبندق إلى 100 جنيه لعين الجمل و70 جنيها للوز و15 جنيها للفافة قمر الدين و40 جنيها للتمر الهندي و30 جنيها للمشمشية و55 جنيها للقراصية فيما تراوحت أسعار التمر ما بين 10 جنيهات إلى 205 جنيهات للكيلو.

تحرك الحكومة

الحكومة التي أكدت انها تتبع سياسة السوق الحر قررت عدم التدخل في ضبط الأسعار واكتفت بطرح اللحوم المستوردة والدواجن والأسماك في المجمعات الاستهلاكية التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية، بأسعار تقل من %5 إلى %10 عن أسعار السوق لاحتواء هذا الصعود الكبير للأسعار والذي لم يعد في قدرة الأسر المتوسطة معايشته.

وقال وزير التضامن الاجتماعي الدكتور علي المصيلحي أنه ستتم إقامة معارض لجميع السلع بأسعار تقل‏20‏% عن مثيلاتها بالأسواق‏، بالإضافة إلي زيادة حصص البوتاجاز بنسبة %25، وزيادة حصص الدقيق المدعم للمخابز لإنتاج نحو‏250‏ مليون رغيف مدعم‏ قبيل شهر رمضان.

جنون اللحوم!

وإذا كانت قضية غلاء الأسعار قضية موسمية، فإن الارتفاع الذي شهدته أسعار اللحوم والدواجن خلال الاشهر الماضية وصل إلى حد الجنون ولم يسبق له مثيل من قبل! فأسعار اللحوم البلدي تتراوح في المناطق الراقية ما بين 70 و80 جنيها وأحيانا أكثر، فيما لم تكن تتعدي 50 جنيها العام الماضي في المناطق نفسها، في حين تتراوح ما بين 40 و50 جنيها في المناطق الشعبية، بعد أن كانت لا تتخطي 35 جنيها العام الماضي، في الوقت الذي وصل فيه سعر كيلو الدواجن إلى 20 جنيها للمذبوحة و16 جنيها للدواجن الحية، فيما كانت تتراوح ما بين 8 و10 جنيهات العام الماضي!

 

ولم تفلح محاولات الحكومة في طرح لحوم مستوردة يتراوح سعرها ما بين 30 و35 جنيها في وقف الصعود المتواصل في أسعار اللحوم، في الوقت الذي زادت فيه شكوى المواطنين من ان مرتباتهم لم تعد تستوعب شراء عدة كيلو غرامات من اللحوم، فضلا عن مواجهة غلاء المعيشة الذي ضرب كل مناحي الحياة.

ورغم أن هذه القضية سيطرت على أجهزة الإعلام والحكومة طوال الاشهر الماضية، خاصة مع تبني بعض الحركات مثل «مواطنون ضد الغلاء» حملة لمقاطعة اللحوم لإجبار التجار على خفض الأسعار، فإن هذه التحركات لم تسفر عن تغييرات كبيرة سوى ثبات أسعارها لنحو شهر وسرعان ما عادت للارتفاع من جديد وبشكل يكاد يكون شهريا.

ويرجع التجار سبب هذا الارتفاع إلى سياسية الحكومة في السماح بذبح الإناث وصغار الأبقار، مما أدى إلى تراجع الثروة الحيوانية الى ادنى معدلاتها على الإطــلاق، إضافة إلى أن إنتاج مصر من اللحوم لا يغطي سوى %55 من احتياجاتها والباقي يتم استيراده من الخارج.

المواطنون يتحملون المسؤولية !

محمود العسقلاني المتحدث باسم حركة «مواطنون ضد الغلاء» التي قادت حملة لمقاطعة اللحوم خلال الشهور الماضية، قال لـ القبس: حقيقة نحن كشعب نتحمل جزءا كبيرا من هذه الأزمة، ونحن بدأنا حملة لتوعية المواطنين لترشيد استهلاكهم قبيل الشهر الكريم، وتغيير نمط الاستهلاك وثقافتنا الاستهلاكية، لان الإقبال الشره وغير المبرر على السلع يعطي فرصة للتجار في زيادة الأسعار.

وأضاف: يحدث في رمضان ما يعرف بـ«الأثر التراكمي» من خلال سحب كميات كبيرة من سلعة معينه فيقل المعروض منها، فيزيد سعرها تلقائيا. متسائلا ما الذي يدفع الأسرة المصرية إلى شراء كميات كبيرة من السلع التموينية قبل الشهر الكريم كأن البلد في طريقه إلى مجاعة أو حرب. نحن نحتاج بالفعل إلى تغيير ثقافتنا حتى لا نعطي فرصة للتجار للتلاعب بنا.

وأوضح: هذا الكلام لا يعني أن الحكومة لا تتحمل مسؤولية تركها السوق من دون ضوابط، بل إنها قامت بزيادة أسعار السلع على البطاقة التموينية بحجة تخفيض الدعم عن الموازنة، وهذا شجع التجار على زيادة الأسعار إضافة إلى أن الحكومة لا تقوم بأي دور لضبط حركة الأسواق بدعوى تبنيها سياسة السوق الحرة. وأكد أن هناك تضاربا في المصالح بين الفرد الذي يسعى للحصول على السلعة بأقل سعر وبأعلى جودة مقابل التاجر الذي يسعى لبيع سلعته بأعلى سعر لتحقيق أفضل مكسب، ودور الدولة هو الحفاظ على حقوق الجميع دون الإخلال بحق التاجر او حق المواطن الذي أصبح مغلوبا على أمره.

زيادة الدخل تزيد استهلاك اللحوم

أوضحت دراسة، أعدها د. مدحت عنبر رئيس قسم بحوث اقتصاد الإنتاج في معهد بحوث الاقتصاد الزراعي، أن إنتاج اللحوم الحمراء في مصر يعتمد بدرجة كبيرة على العجول البقري والجاموس المسمنة للحصول على الرؤوس المراد تسمينها، وقد اتضح أن %90 منها يوجد لدى صغار المزارعين الذين يفضلون بيع هذه الحيوانات عند سن الفطام لعدم القدرة على القيام بتربيتها لارتفاع تكاليف التغذية، بالإضافة إلى الاستفادة من ألبان الأمهات. وقالت الدراسة إن زيادة عدد السكان بمقدار %1 يؤدي إلى زيادة الكمية المستهلكة من اللحوم الحمراء بمقدار %2.2، كما أن زيادة أسعار اللحوم الحمراء بـ %1 تؤدي إلى نقص الكمية المستهلكة منها، بمقدار %0.08، أما بالنسبة إلى الدواجن والأسماك، فإن زيادة أسعارها بـ %1 تؤدي إلى زيادة الكميات المستهلكة من اللحوم الحمراء بمقدار %0.21، وأخيرا، فإن زيادة الدخل الفردي بنسبة %1 تؤدي إلى زيادة الكميات المستخدمة من اللحوم الحمراء بنسبة %0.15.

ياميش.. ما فيش!

شاب وصديقه وقفا يتهامسان حول أسعار ياميش رمضان، وتوجهت بالسؤال لأحدهما: أنت قادم للشراء أم للفرجة؟ فضحك وقال: «كنت ناوي اشتري ياميش لخطيبتي، لكن بهذه الأسعار لا اعتقد أني سأشتري شيئا، لان حقيبة الياميش يتراوح سعرها ما بين 150 جنيها و300 جنيه وهي تقترب من نصف مرتبي، فماذا أفعل؟! أعتقد انه «مفيش ياميش السنة دي وهم لازم يفهموا ظروفي يعني أجهز للجواز ولا أجيب ياميش؟!

القبس

 


 

مواضيع ذات صلة :