وتمر سوريا التي عانت من الحصارات والعقوبات منذ عام 2011 نتيجة الصراعات المسلحة، بأزمة اقتصادية حادة مع توقف عجلة الإنتاج، وغير معلوم ما ينتظرها مستقبلا، حسبما قال خبراء اقتصاديون في تصريحات خاصة لـ "مباشر".
وتأتي الأحداث الجارية فى سوريا، فى وقت خفض فيه صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 2.1% لعام 2024، بتراجع 0.6% عن توقعاته السابقة الصادرة في أبريل.
وأرجع الصندوق قراره بخفض مستوى النمو إلى اتساع دائرة الحروب وخفض إنتاج النفط، لكنه توقع أن يعود للارتفاع لمستوى 4% خلال العام 2025 بدعم من تحسن الأوضاع السياسية.
الدول العربية وإعادة إعمار سوريا
وفي هذا السياق، رجح الخبير الاقتصادي المصري صلاح حليمة، أن تستقر الأوضاع السياسية بدعم من رغبة دول الجوار في العمل على تسوية قد تسهم في إنهاء النزاعات المستمرة وتؤسس لمرحلة ما بعد "الأسد"، والتي من المؤكد أنها ستركز على عملية إعادة الإعمار.
وأضاف حليمة في تصريحات "لمباشر" أن الدول العربية مثل السعودية والإمارات ومصر مؤهلة بقوة للمشاركة في عمليات إعادة الإعمار، نظراً للإمكانيات الكبيرة والقدرات التي تمتلكها في هذا المجال ومن هنا قد تجنى ثمار اقتصادي جيد.
وأوضح أن القراءة الأولية للأوضاع السياسية في سوريا تشير إلى أن البلاد قد لا تشهد تصعيداً مستقبلياً، خاصة وأن الشعب السوري منهك اقتصادياً، وحريص على بذل جهد كبير لاستقرار بلاده، وعودة الحياة إلى طبيعتها.
وحول تأثير الأحداث السورية على تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى المنطقة العربية، أشار حليمة إلى أن "رأس المال، أيًا كانت جنسيته، لا يبحث عن مناطق محاطة بالصراعات، ولكن من المبكر الحكم على هذا الأمر في ظل المساعي العربية لتهدئة الأوضاع".
لكنه أوضح أن التبادل التجاري بين سوريا والدول العربية شهد نشاطاً ملحوظاً قبل جائحة كورونا، إلا أن تصاعد الأوضاع في البلاد أدى إلى تراجع حركة التبادل التجاري، وهذا يعني أن تحسن الأوضاع السياسية في سوريا من شأنه أن يعجل بانخراطها مع الدول العربية من خلال التكامل الاقتصادي.
وقبل جائحة كورونا في عام 2020، استوردت أكثر من 13 دولة عربية من سوريا بقيمة 370 مليون دولار، وفقاً لبيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية.
الأوضاع السياسية والاستثمارات الأجنبية
ومن جانبه، قال المستشار الاقتصادي ورئيس دعم العمليات في مجموعة الإمارات دبي الوطني سابقاً، حسين مشربك، إن الأوضاع الحالية في المنطقة العربية ستظل كما هي، بشرط هدوء الأوضاع في سوريا دون تصعيد مستقبلي.
وأوضح أن الأوضاع السياسية هي التي يمكن أن تشكل المستقبل الاقتصادي لسوريا والمنطقة العربية، مشيراً إلى أن العالم يراقب تطورات المنطقة وكيف ستتشكل الحكومة الجديدة، وكيفية تعاملها مع العالم.
وأضاف مشربك أن "الأيام المقبلة ستكشف عن مصير العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، والتي تعد من أبرز المعوقات أمام نهضتها وإعادة إعمارها".
رفع العقوبات الأمريكية شرط لتحفيز الاقتصاد
ومن جهته، قال مدير البحوث الاقتصادية في المركز العالمي للدراسات التنموية في المملكة المتحدة، صادق الركابي، إن استقرار الأوضاع في سوريا وتشكيل حكومة جديدة سيسهمان في زيادة معدل النمو الاقتصادي للعديد من الدول العربية، وخاصة الدول المجاورة لسوريا مثل لبنان والأردن والعراق.
وأوضح الركابي أن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا سيؤدي إلى تنشيط الاقتصاد المحلي، ما سينعكس بشكل إيجابي على الاقتصادات المجاورة.
كما لفت إلى أن الدول التي استقبلت أعدادًا كبيرة من اللاجئين السوريين، مثل لبنان، ستستفيد من تقليص الضغوط الاقتصادية عليها، حيث ستنخفض فاتورة الرعاية الاجتماعية بشكل كبير بعد عودة اللاجئين إلى بلادهم.
واتفق مع حليمة، فى أن عملية إعادة إعمار المدن السورية ستساهم في تنشيط قطاعات حيوية مثل البناء والنقل والتجارة، بالإضافة إلى خلق فرص استثمارية جديدة في سوريا، مؤكدًا أن هذا الوضع سيمهد الطريق أمام دخول استثمارات أجنبية مباشرة، مما يفتح المجال أمام دول الخليج العربي للمساهمة في عمليات البناء والاستفادة من الفرص التجارية.
وفيما يتعلق بقطاع النفط، أكد الركابي أن سوريا ليست من كبار منتجي النفط، رغم امتلاكها كميات جيدة، وسيوظف الإنتاج لتوفير المشتقات النفطية والمحروقات للبلاد، ما سيسهم في تعزيز الاستقرار السياسي في حال تم التوصل إلى اتفاق بين القوات الموجودة في مناطق قسد والقوات التي دخلت إلى دمشق.
لكنه اعتبر أن تنشيط قطاعات السياحة والمصارف في سوريا سيسهم في زيادة الطلب على الدولار، مما قد يؤدي إلى ارتفاعات طفيفة في قيمته في الأشهر الأولى بعد استقرار الأوضاع.
استئناف مشاريع قطاع الطاقة
وبدوره، يرى الخبير الاقتصادي وضاح الطه، أن تحسن الأوضاع في سوريا قد ينعكس إيجابيًا على المنطقة العربية ككل، من خلال التركيز على استئناف مشاريع قطاع الطاقة المعطلة، وأبرزها نقل الغاز والربط الكهربائي بين الدول العربية عبر سوريا.
وأشار إلى أن التغيرات الجسيمة التي حصلت في سوريا وتغير النظام تم استيعابها بشكل جيد في المنطقة في أسواق الخليج.
كما لفت إلى أن المنطقة لديها تاريخ طويل بالتعامل مع الأحداث الجيوسياسية والتوترات الجيوسياسية منذ أيام حزب الله في عام 2006 مع بين إسرائيل.
المشاريع التنموية
ومن جهته، أشار الخبير الاقتصادي ورئيس لجنة الصناعة بمجلس الأعمال المصري السعودي، محمد جنيدي، إلى أن "سرعة تشكيل حكومة توافقية داخل سوريا ستُمكّنها من الحصول على تمويلات من الدول العربية لمساعدتها في الخروج من أزماتها".
ولفت إلى أن سوريا تعد دولة محورية اقتصاديًا في منطقة الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن تشارك الدول العربية في عمليات إعادة إعمار المدن المنكوبة سواء نتيجة الحرب أو الزلازل.
وقال: "من الضروري تقديم أكثر من نموذج اقتصادي نجحت فيه دول المنطقة لتطبيقه، بما يساعد في إعادة ترميم الأوضاع الصعبة التي مرت بها البلاد على مدار السنوات الماضية، ويمكن هنا نقل التجربة السعودية والإماراتية التي تركز حالياً على توطين الصناعة، ما يساهم في توفير فرص العمل وتحقيق نمو اقتصادي حقيقي".