شخصية تاريخية نُشر

غاندي الهند .. رساله سلام يتداولها الأجيال

دائماً ما تتحول الأحداث الهامة إلى تاريخ يتداوله الأجيال ،في أي زمان أو مكان .. وقد كانت أحداث أول دقائق العام 2011المشهورة بحادثة القديسين التي وقعت في مصر بمحافظة الإسكندرية ، متزامنة مع ذكري اغتيال ( غاندي الهند )، لكن ليس هذا فحسب ما يربط بين تلك الحادثين ، فمن خلال قصة غاندي وشعارة ضد العنف واللاعنصرية ، سنعرف أن حكمتة هذة هي من خرجنا بها من تفجيرات الكنيسة بمصر التي مزج فيها دماء المسلمين والمسحيين نتيجة التطرف والعنف والإرهاب

فكلما مر علينا يناير سوف نتذكر غاندي الهند والقديسين بمصر فلنعمق في أحداث أغتيال ( أبا الإستقلال الهندي )..

حظي (مهندس كرمشاند غاندي) بمكانة بارزة في التاريخ كأحد أعظم القادة في القرن العشرين ؛ إذا كان هدفه الحصول على إستقلال بلده الهند منأيدي المستعمرين الإنجليز الذين يتولون الحكم فيها ، من خلال حملة قائمة على مبدأ السلام أو اللاعنف.

فعلى مدار حياته ضرب غاندي مثالاً لشعبه بالتزامه بأسلوب حياة قائم على مبادىء وأخلاق رفيعة، ومن المعروف عنه أنه كان يرتدي زي فلاح هندي متحاشياً بذلك الانزلاق إلى مظاهر الرفاهية .

وفضلاً عن دعوته لنبذ العنف كان غاندي يعتقد أن المنتمين إلى مختلف المعتقدات الدينية ينبغي أن يتمتعوا بكامل حقوقهم وأن المسلمين لا يقلون أهميةً عن الهندوس ، الأمر الذي جعل له أعداء كثيرين من الفصائل السياسية الهندوسية المتطرفة في الهند ؛ ففي يناير 1948 اغتيل غاندي على يد متعصب هندوسي يدعى ( ناثورام جودسي ) ؛ حيث أطلق الرصاص عليه وأرداه قتيلاً ، بينما كان يسير في الطرقات قاصداً صلاة جماعية في نيودلهي ، وفي جنازته ، حزنت الأمة بأسرها في فقدانه وأطلقوزا عليه « مهاتما » أو « الروح العظيمة » وأعلن رئيس وزراء الهند المستقلة حديثاً أن « النور قد تلاشى من حياتنا » .

احتجاج بلا عنف

ولد غاندي عام 1869 في بورباندر بغرب الهند ، وعندما بلغ مبلغ الشباب سافر إلى لندن بإنجلترا حيث درس القانون

بدأ غاندي الثورة ضد الحكومة البريطانية بفكرة  حرب اقتصادية وتحريض الهنود  على مقاطعة المنتجات البريطانية.

هناك ، ثم بدأ عمله كمحام في بومباي ولكن سرعان ما انتقل إلى جنوب إفريقيا للمشاركة في احتجاجات تتسم باللاعنف أثيرت ضد الحكومة لدعم حقوق المهاجرين إلى هناك .

وعند عودته إلى الهند عام 1915 ، انخرط في السياسة وبدأ يقود حملات نيابة عن المؤتمر الوطني الهندي ضد الحكومة البريطانية وكان يشجع الهنود على شراء المنتجات الهندية بدلاً من نظيرتها البريطانية .

وعلى الرغم من كونه مؤيداًدائماً للاحتجاج بلا عنف فقد أحتجز عدة مرات بسبب أنشطته التي كان يمارسها.

وأصبح غاندي شوكة في جنب السلطات البريطانية ، ومصدر إزعاج ، فاضحاً مواقفها الكاذبة والزائفة وجاذباً الانتباه إليه حيثما ذهب .

أبا الإستقلال الهندي

وفي عام 1931 كان مشاركاً بارزاً في مؤتمر سياسي ، عقد ببريطانيا حضره بملابس الفلاح الهندي البسيط ليثير ذاكرة العالم مرة ثانية تجاة الفقر المدقع الذي يقاسية الكثيرون من أبناء وطنه.

بعد سنوات طويلة من الكفاح السياسي بدأ غاندي يرى حلمه في تحرير واستقلال الهند يصبح حقيقة مع انتهاء حكم الاستعمار البريطاني، إلا أنه لاح في الأفق بعض المشكلات التي تهدد بتدمير انتقال البلاد السلمي إلى الاستقلال ، وخاصة ذلك العداء العميق المتأصل بين الهندوس والمسلمين .

ونظراً لأن غاندي تعاون مع البريطانيين، فقداتهم بالضلوع في العمل على تقسيم البلاد ، وهو أمر كان يعارضه معارضة جذرية بكل المقاييس، كما وجه إليه انتقاد ؛ لإضعافه النفوذ السياسي للهندوس نظراً لإيمانه بالمساواة بين كل المعتقدات الدينية .

وعلى الرغم من الانتقاداتالتي طالته، استمر معظم أفراد الشعب الهندي في النظر إلى غاندي باعتباره ( أبا الا ستقلال الهندي) ، وبهذا أصبح عند موته واحداً من أشهر وأحب الشخصيات في بلده .

اغتيال غاندي

في 20 يناير 1948 تعرض غاندي لمحاوله اغتيال ،ولكنها فشلت وبعد عشرة أيام أطلق الرصاص عليه مرة ثانية ، ولكنه نجح هذه المرة ، وكان في طريقه لأداء صلاة جماعية في (دار بيرلا) وهو منزل أحد رجال الصناعة البارزين

فجأة انطلقت عدة طلقات نارية ليسقط غاندي على إثرها مصاباً في مقتل وقد تلطخ إزاره بالدم .

حيث كان يقيم عادة في أثناء زياراته لنيودلهي.

وفي نحو الساعة الخامسة بدأ الناس يتوافدون للاجتماع ، ووفقاً لشهود عيان وصل غاندي إلى الإجتماع وفي نحو الساعة الخامسة واثنتي عشرة دقيقة وهو يرتدي زيه البسيط ، وإن كان قد وضع شالاً من الصوف فوق خصره نظراً لبرودة الجو في تلك الليلة.

وبينما هو سائر فوق العشب بصحبة مجموعة من أتباعه ومن بينهم بعض النساء الشابات وكان المشاهدون بين راكع وحان رأسه عند مروره ، فجأة انطلقت عدة طلقات نارية ليسقط غاندي على إثرها مصاباً في مقتل وقد تلطخ إزاره بالدم ، فهرع أحد الأطباء إلى مسرح الحادث ولكن بعد فوات الأوان .

وبينما هو راقدعلى الأرض قتيلاً إذا كانت الشرطة قد تولت زمام الأمر وقامت بتفرقة الحشود المنتحبة وقد حمل الجثمان بعيداً.

وفي الساعة السادسة مساءً أعلنت كل محطات الإذاعة في الهند أن رجلاً مسلحاً قد أطلق الرصاص على غاندي وهو في طريقة إلى ( دار بيرلا) وقد لقي حتفه جراء إصابته بثلاث رصاصات أصابته في صدره، ويدعى القاتل

(ناثورام جودسي) وهو هندوسي نشط يعتقد أنه على علاقة بالمنظمة الهندوسية ماهاسابها .

وقد تم اعتقال جودسي على الفور وحوكم وتمت إدانته وحكم عليه بالإعدام وشنق في 15 نوفمبر 1949، كما حوكم أربعة متآمرين آخرين، من بينهم: جوبال أخو جودسي الذي حكم عليه بالإعدام هو كذلك.

كان يعتقد أن (فيناياك سافار كار) رئيس منظمة ماهاسابها وراء عملية الاغتيال إلا إنه لم تكن هناك أدلة كافية لإدانته.

يا إلهي

«ليس مستغرباً ، نظراً للفوضى التي عمت أحداث الاغتيال أن تتضارب التقارير حول ما كان يتلفظ به غاندي وهو يحتضر ؛ فقد شهد البعض بأنه كان يقول » هي رام ( ياإلهي) وهو ما قد يفسر بارتباطه الروحي بالله أو

( كما أشار بعض المحللين ) قد يكون مجرد تعبير طبيعي ينم على الدهشة والصدمة من جراء الهجوم عليه ، ومهما كانت الحقيقة ، فهذه هي الكلمات المدونة على ضريح غاندي التذكاري في نيودلهي.

«ويظن آخرون أن غاندي صرخ قائلاً :» راما راما « وأنه قد ضم يديه وهو يسقط معبراً عن حركة » ناماستي وهي حركة دينية ترمز إلى الحب والإحترام والتواصل مع الآخرين .

وبعد موت غاندي ، أحرقت جثته كما هي عادة الهندوس وجمع رفاته ليعبأ في عشرين جرة ، حيث وزعت على مختلف أرجاء الهند ونثر الرفات في مياه الأنهار العظيمة للبلاد بناء على رغبة غاندي .

«واليوم يذكر غاندي في الهند على أنه مهندس الاستقلال ويعتقد أن فلسفة اللا عنف والعصيان المدني التي دعا إليها قد ألهمت المقاتلين من أجل الحرية في شتى أرجاء العالم ، ومن بينهم : ( مارتن لوثركينج والدلاي لاما ونيلسون مانديلا وستيف بيكو وأونج سان سوكي ) ، إلا أن تعاليم غاندي ، ووفقاً لكلام غاندي نفسه ، لم تأت بجديد، فقد كان يقول دائماً: » الحقيقة واللاعنف قديمان قدم التلال.


 

مواضيع ذات صلة :