القات ظاهرة اجتماعية استفحلت في أوساط كافة الفئات والشرائح ومشكلة كبيرة تتفاقم مع توسع نسبة من يتعاطوه وخاصة من فئات الشباب والنساء وتنامي مساحات زراعته التي أثرت سلبا على التنمية الاقتصادية الشاملة وجعلت الظاهرة ذات أبعاد اقتصادية وصحية وزراعية ، القات محصول زراعي استحوذ على أجزاء واسعة من الأراضي الزراعية وتسبب بشكل رئيسي في استنزاف المياه الجوفية وتقليص إنتاجية المحاصيل الزراعية في المرتفعات الجبلية. واغرى العائد الاقتصادي الكبير المزارعين على زراعته وتسويقه باعتباره من أهم المحاصيل المدرة للدخل .
ويوضح الدكتور اسماعيل محرم رئيس منظمة حماة البيئة والتنمية المستدامة في دراسة حول تأثير زراعة القات على القطاع الزراعي والمياه أن مساحة القات زادت خلال العقود الأربعة الماضية بحوالي 21 مرة مما أدى إلى تناقص المساحات الزراعية التي تحتلها المحاصيل الأخرى وخاصة الحبوب ، وأن القات ساهم بحوالي ٪3 من الناتج المحلي الإجمالي ، و ٪22 من إجمالي الناتج المحلي للقطاع الزراعي في عام 2012م.. ووصلت قيمته الشرائية في نفس العام إلى 357 مليار ريال بما يفوق قيمة الناتج المحلي من القمح بحوالي 8 مرات ، بينما كانت القيمة السوقية للقات عام 1990م لا تتجاوز 6,3 مليار ريال بما يشكل حوالي ٪18 من الناتج المحلي الزراعي .. مؤكدا تزايد الإنفاق على القات من دخل الأسرة على حساب الكثير من متطلباتها وخاصة الصحة والتعليم حيث تقدر بعض المصادر أن المتوسط الشهري للانفاق على القات ٪10 من دخل الأسرة ويصل في المناطق الساحلية والأسر الفقيرة إلى ٪33 .
كما بينت نتائج دراسة حديثة للدكتور مرشد الدعبوش - أستاذ بكلية الزراعة جامعة صنعاء - حول تطور زراعة القات وأثره على الزراعة في اليمن أن عدد المحافظات التي يزرع فيها القات 18 محافظة من إجمالي عدد المحافظات في الجمهورية والبالغ عددها 21 محافظة بنسبة ٪85 وأن زراعته تتركز في 6 محافظات وان المساحة المزروعة زادت بمقدار 21 ضعفا للفترة من 1970 -2012م منافسا لأهم المحاصيل الزراعية النقدية كالبن ، والعنب ، وبقية المحاصيل الأخرى التي تزرع في نفس النطاق الجغرافي، حيث شكل القات في التركيب المحصولي نسبة 9.09 ٪ من المساحة المزروعة لعام 2001م، وارتفعت إلى ٪12 في عام 2012م ، ويرجع السبب إلى الربحية العالية لوحدة المساحة مقارنة بالمحاصيل الأخرى .. موضحة انه في المتوسط، ٪72 من الرجال اليمنيين و٪33 من النساء فوق سن الـ12 من العمر يمضغون القات، وحوالي ٪42 من المستهلكين الذكور يمضغونه بمعدل خمسة إلى سبعة أيام في الأسبوع .
ونوهت الدراسة بأنه يعمل في بيع القات في العاصمة صنعاء وحدها نحو 13,000 شخص وان القات يوفر فرص عمل لواحد من بين سبعة عمال.
وحول الأضرار الاجتماعية للقات يؤكد الدكتور حسني الجوشعي أن تأثير القات على السلوك وعلى الجوانب النفسية قد يتسبب في النهاية بانفصام الشخصية, ويكون تأثيره كبيراً على الأسرة من زوجة وأبناء عندما يروا أن الأب راعي هذه الأسرة أصبح مصابا بانفصام الشخصية .. مشيرا إلى أن الأبحاث والدراسات العلمية أثبتت إن القات يسبب إهمال الأسرة وضياع الأوقات فجلسات القات تمتد في أحيان كثيرة إلى منتصف الليل وهذا يؤدي إلى ضعف دور الأب التربوي والتوجيهي والرقابي على جميع أفراد الأسرة من زوجة وأبناء مما قد يؤدي إلى تفكك الأسرة وانحراف الأبناء وانتشار الجريمة في المجتمع ، كما أن القات يؤدي إلى آفات اجتماعية عديدة يصعب التخلص منها بسهولة كالرشوة والسرقة والغش والكذب وضياع الحقوق. ويمكث معظم الناس 4-6 ساعات في تناول القات معظم أيام الأسبوع .
ويتفق معظم متناولي القات أن تناول القات هو مضيعة للوقت وعادة اجتماعية غير محببة . كما يلاحظ توسع ظاهرة تناول القات أكثر من مرة في اليوم خلال السنوات القليلة الماضية
دراسات علمية عديدة خلصت إلى وجود علاقة بين مضغ القات وحدوث الجلطات القلبية الحادة. وأن الأشخاص الذين يمضغون القات هم أكثر عرضة للجلطة القلبية الحادة والذبحة الصدرية, بالإضافة إلى أن نسبة التدخين لدى من يمضغون القات أكثر من غيرهم, مما يضيف عامل خطورة آخر للجلطات القلبية, فيزيد معدل الوفيات لهذه الفئة أكثر منها في فئة غير المتناولين للقات وتتزايد المخاطر الصحية جراء تناول القات خاصة عند الاستخدام العشوائي والمفرط من المبيدات المستخدمة على القات والتي تؤدي إلى العديد من الأمراض أهمها السرطانات والذبحة الصدرية بالإضافة إلى حالات الصداع وأمراض الجهاز الهضمي والأرق والحالات النفسية.
الدكتور طارق الكبسي الوكيل المساعد بالجهاز المركزي للإحصاء يقول : نفذت بعض المبادرات لتوفير البيانات مثل مسح ميزانية الأسرة لعام 2005/2006م والمسح اليمني لصحة الأسرة 2003م، ووفرت هذه المبادرات مجموعة من البيانات والمؤشرات التفصيلية حول ظاهرة تناول القات ساهمت في إيجاد قواعد بيانات وطنية، ولكنه للأسف لم يجر استخدامها بشكل مكثف وبما يساعد في تشخيص هذه الظاهرة وتحديد مشكلاتها واقتراح الحلول المناسبة لها.
الدراسات العلمية أوصت في مجملها بضرورة وجود رؤية واضحة للدولة والمجتمع تشكل السياسات العامة للتعامل مع القات زراعة واستعمالا تتبناها الدولة وتعمل على تحقيقها. تنطلق من التعامل مع القات كسلعة يحكمها مبدأ العرض والطلب. كما أن توفر قاعدة بيانات حول القات بصورة خاصة والقطاع الزراعي بصورة عامة بما فيها المياه هي من الأهمية بمكان للتعاطي مع هذه الظاهرة وإعداد استراتيجية للحد من زراعته وتناوله وإشراك جميع مؤسسات الدولة والمجتمع في هذا المجهود ، علاوة على التوعية عبر الوسائل الإعلامية المختلفة بالآثار المترتبة على زيادة المساحة المزروعة بالقات على الزراعة والأمن الغذائي ، وإعداد البرامج الهادفة للتوعية بأضراره ، ودعم البحث العلمي للحد من التوسع في زراعته بالتدريج مع توفير البدائل ذات المردود الاقتصادي المماثل ، وتفعيل دور جهاز الإرشاد الزراعي ، والجدية من قبل الدولة بكافة مؤسساتها في تبني سياسة واضحة تجاه الحد من انتشار القات.
الثورة نت