جدل وتحقيقات نُشر

بينما العالم يعيش أزمة إقتصاده .. إنهيار أيكولوجي أزمة أخرى تفوق الخيال

enheyr-ikuologi

يواجه العالم الآن عاصفة الأزمة المالية بكل تداعياتها , بما لدية من طرق وأساليب اقتصادية عالمية, كي يتخطى هذه الأزمة
التي تعد بمثابة شبح هز العالم بأسرة.. و الواقع دائما يكون أصعب من أن نتحدث عنه .
وبالرغم إن هذه الأزمة كان قد تنبأ به البعض حول حدوثها إلا أنه لم يتم الاستعداد لها ووضع الحلول لتجنب كارثتها؛ ربما نتيجة لعدم الاستماع إلى ما يتم التوقع له ..فحدثت الأزمة المالية على مستوى العالم التي نعايشها ألان ؛ ولاحظنا ونلاحظ أنها فاقت كل تلك التوقعات التي قيل عنها من قبل ، رغم ما يتم من محاولات عديدة للتصدي لها.. ذلك نوعا كان البعض يعتبره مجرد خيال لن يحدث .. إلا أنه حدث .. ما حدث .. وانهارت مؤسسات عالمية عملاقة .. واليوم هناك مفاجأة أقوى. . وأعظم .. تنبؤات أخري .. مفاجأة من ( العيار الثقيل ) .. ستهز كيان العالم من أدناه إلى أقصاه .. إنها أزمة " الانهيار الأيكولوجى " مصطلح جديد على مسامعنا ؛ لكن الواقع سيفرضه علينا وعلى معايشته فهو العاصفة القادمة التي ستجتاح العالم وتغير معالمه على أصعدة مختلفة اقتصادية , سياسية , اجتماعية , بيئية ..الخ.

مأدة أعدتها للنشر - إلهام محمد علي *


ماهو الانهيار الايكولوجي ..؟

حتى لا يشرد ذهن القارئ الكريم ويجد صعوبة في فهم مصطلح " الايكولوجي" سأعطي تعريفا مختصرا لهذا المصطلح.. فهو يعني انهيار أساسيات الحياة على الكرة الأرضية ومكوناتها .. من شجر .. ونبات .. وغير ذلك من مكونات الطبيعة في الحياة ..و خلال السطور القادمة سنطرح تحقيق شامل عن الانهيار الإيكولوجي , وتداعياته .. وتحذيرات العلماء والخبراء لمواجه هذا الانهيار , والخروج أخيراً بالحلول المقترحة للنجاة من الانزلاق في أزمة الانهيار الايكولوجي ...


الأيكولوجيا ( علم البيئة ) Image

قبل التحدث عن الانهيار الايكولوجى سنتطرق إلى معناه (فالأيكولوجيا أو علم البيئة ) : هو علم دراسة التفاعلات بين الكائنات الحية ومحيطها ,بجانب تعريف أخر هو علم دراسة الأحياء في مواطنها الطبيعية, فالبيئة تعد أحد العلوم الطبيعية , ويأتي مصطلح البيئة من الكلمة اليونانية ( oikos ) بمعنى ( المسكن , البيئة ) و (logos )بمعنى ( علم , معرفة ) , فالبيئة هي علم المسكن .
وقد أكتشف علم ( الايكولوجيا ) من طرف العالم البيولوجي الألماني ( أرنست هايكل ) ففي القرن التاسع عشر أثيرت الأبحاث المعرفية خاصة في الكيمياء وبعد البحث خرجت نتيجة تفيد أنة لا حياة إلا في وجود ثلاث عناصر : "الغلاف الجوى , الغلاف المائي ، التربة ".
أما في عشرينات القرن حدد مفهوم المحيط الحيوي ووصف المبادئ الأساسية للدورة البيوكيميائية .
ومع مراحل تطور علم البيئة المختلفة قاد هذا تطور علم البيئة الإنسانية إلى تخصيص جزء مهم للبيئة فى التخطيط الإقليمي .


الايكولوجية .. والعالم السياسي

في عام 1971م أصبحت الأيكولوجيا جزءاً أساسياً من السياسة العالمية , وجاء ذلك نتيجة تشريع اليونسكو فى برنامج بحث سمي ( الرجل والمحيط الحيوي ) , ويهدف هذا البرنامج إلى توسيع المعرفة عن علاقة الإنسان بالطبيعة .
والعام التالي في 1972 م عقدت الأمم المتحدة أول مؤتمر للبيئة والإنسان في (ستوكهولم ) بالسويد , وتولد عن هذا المؤتمر عبارة اعتبرت كشعار ( فكر علمياً وأعمل محلياً ) , فساهمت هذه الأحداث الأساسية في تطوير مفهوم المحيط الحيوي وظهور مصطلح التنوع البيولوجي في ثمانينات القرن , وطور هذا المصطلح في ( قمة الأرض ) في ( رد دى جانيرو عام 1992 ) , فقد عرف المحيط الحيوي رسمياً من طرف أكبر المنظمات الدولية وتم فيها عرض مخاطر الاستخفاف بالتنوع البيئي وذلك في عام 1997 حيث أعترف دولياً بخطر الأنشطة الإنسانية على المحيط خاصةً الغلاف الجوى .
كما أسفر هذا المؤتمر عن برتوكول ( كيوتو) وقد سلط الضوء على أخطار الغازات في الاحتباس الحراري , فهو السبب الرئيسي لتغيير المناخ . فهذا البرتوكول جعل معظم العالم تيقن إلى أهمية النظر إلى البيئة بنظرة موحدة أي على نطاق عالمي , بجانب النظر في تأثيرات النشاطات السياسية على بيئة هذا الكوكب ( الأرض ) .


العالم يخسر أمولاً .. والأرض تنزف دماً

أعدت ثلاث منظمات دولية تقريراً بعنوان ( تقرير الكوكب الحي ) وتمثلت المنظمات في :
أولاً : الصندوق العالمي للحياة البرية (wwf ) .
ثانياً : جمعية علم الحيوان بلندن .
ثالثاً : الشبكة العالمية لبصمة القدم البيئية .
وكشف التقرير أن كوكب الأرض في طريقة ( الانهيار أيكولوجى ), فتقرير الكوكب الحي يعد بمثابة تقييم عالمي لصحة كوكبنا , كما أنه حظي باحترام دولي واسع ويعد تذكيراً جاء في وقته تماماً , فليس بوسعنا تجاهل أزمة مثل الانهيار الأيكولوجى ( أزمة الائتمان ) فهي الأزمة القادمة الأسوياء التي سيواجهها كوكبنا الأرض والعالم بأثرة .
فالطلب على الموارد الطبيعية تجاوز قدرة الكوكب على تعويض رأسماله الطبيعي بنحو 30 % , فهذا يعنى أن المعدلات الحالية التي تستنزفها البشرية من الموارد الطبيعية وتنتج بها المخلفات , ستجعلنا نحتاج بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحالي إلى (مواد كوكبين أخريين ككوكب الأرض كى يلبى حاجاتنا المتزايدة ).



الإمارات.. فاقت الولايات المتحدة فى تأثيرها على الأرض

وقد شمل تقرير ( الكوكب الحي ) في محتواة أن مواطني الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات يجيئون على رأس قائمة الدول الأكثر تأثيراً في كوكبنا الأرض , وذلك حسب مفهوم ( بصمة القدم البيئية ) .
فما معنى بصمة القدم البيئية ..؟

Image

شكل عام لبصمة القدم البيئية


بصمة القدم ( ecological foot print ) , هي مقياس لمدى التأثير والضغط الذي يخلفه إنسان أو شعب في مجتمع معين على البيئة , بمعنى أوضح وأعم هي أداة لقياس معدل استخدام الأفراد للموارد الموجودة مقارنتاً بالمعدل الذي تحتاجه الكرة الأرضية لإعادة توفير هذه الموارد .
فعند التطرق لقائمة الدول الأكثر تأثيراً في كوكبنا , جاءت مالاوي وأفغانستان في ذيل القائمة , بينما بريطانيا احتلت المرتبة الخامسة عشراً بين البلدان الأكثر تأثيراً بالسلب في البيئة في العالم وتعادل بصمتها بصمات 33 بلداً إفريقيا مجتمعة .
كما أشار التقرير أن بصمة قدم بريطانيا البيئية تعادل ( 317,470,000) هكتار بما أن عدد سكانها يقدر بـ ( 59,9 ) مليون نسمة .
فبصمة قدم المواطن البريطاني البيئية تساوى ( 5,3 ) هكتار , بينما يبلغ متوسط بصمة قدم المواطن الإفريقي البيئية في المتوسط ( 1,4 ) هكتار , وهو ما يعنى أن بصمة قدم البريطاني البيئية أعلى بنحو ( 2,78 ) من متوسط قرينة في إفريقيا فيعيش أكثر من ثلاث أرباع سكان العالم الآن في بلدان ( مُدينة أيكولوجياً ), وذلك نتيجة الاستهلاك على المستوى الوطني الذي تجاوز قدرة البلاد على إنتاج موارد طبيعية واحتواء انبعاث ثاني أكسيد الكربون ويتجاوز قدرات التجدد والتعويض الطبيعة , وهذا ما يعنى إنهم ( مُدينون بيئيون ) وأنهم يقترضون ويتجاوزون الرصيد المسموح به فيما بالأراضي الصالحة للزراعة والغابات والبحار وموارد بلدان أخرى.

فو كان سكان الأرض يتمتعون ويعيشون بالنمط الاستهلاكي نفسه للمواطن الأمريكي فإن البشرية ستحتاج حينها إلى أربعة كواكب ونصف كوكب في حين أن المواطن الصيني يحتاج إلى نحو ( 2,1 )هكتار للاستمرار في نمط حياته الحالي فالتقرير تضمن جانب أخر غير بصمة القدم ألا وهى بصمة القدم المائية فهي " عبارة عن مؤشرا لقيمة المائية للسلع " فعلى ( سبيل المثال ) : يحتاج إنتاج ( التي شيرت ) القطني إلى (2900 ) لتر ماء , بينما يحتاج كل إنسان في المتوسط كي يعيش على كوكبنا ( 1,24 ) مليون لتر ماء سنوياً أي ما يعادل ( نصف حجم حمام سباحة أوليمبي ) , بينما استهلاك البشر الفعلي يتباين من (2,48 ) مليون لتر للإنسان سنوياً في ( الولايات المتحدة ) , في حين (619,000) لتر لكل نسمة ( فى اليمن ) . فتواجه نحو 50 بلداً حالياً ضغطاً مائياً حاداً , كما يتوقع أن يزداد العدد الأجمال للذين يعانون شح المياه طوال العام أو موسميا بسبب التغيرات المناخية .


بحاجة لكوكبين بحجم كوكب الأرض

العالم على نمط المعيشة الذي يعيشها الآن بحاجة إلى ما يعادل كوكبين بحجم كوكب الأرض , ففي ذات السياق قال المدير العام لصندوق الطبيعة العالمي ( جيمس ليب) " معظمنا يعزز نمط حياتنا الحالي , ونمونا الإقتصادى , من خلال السحب وأحياناً السحب المفرط من رأس المال الأيكولوجى لأجزاء أخرى من العالم , وإذا ما أستمر استنزافنا للكوكب على هذه الوتيرة , سوف نحتاج ما يعادل كوكبين بحجم كوكبنا لمواصلة العيش بالطريقة التي نعيش بها الآن ".
وأضاف دكتور: ( واكرناجل ) مدير الشبكة العالمية لبصمة القدم البيئية مؤكداً على " إن استمرارنا في الإنفاق بالعجز على الصعيد الأيكولوجى سيخلف عواقب اقتصادية وخيمة , فمحدودية الموارد وانهيارات الأنظمة الايكولوجية ستقودان إلى تضخم ركودي مصحوب بركود اقتصادي واسع النطاق مع هبوط حاد في قيمة الاستثمارات وإرتفاع هائل فى أسعار المواد الغذائية والطاقة " .


بصمة قدم الإماراتي تعادل 10ملاعب كرة قدم

بصمة الامارات

متوسط بصمة قد الإمارات 9,5 هكتار


فعند المقارنة بين بصمة القدم البيئية في بلدان مختلفة ستضعنا المقارنة أمام استقراء الواقع وإدراك طبيعة المشاكل التي تواجهنا .
فقدرت بصمة قدم المواطن الأمريكي في المتوسط ( 9,4 ) هكتار أي ما يعادل ( مساحة 10 ملاعب كرة قدم ) .
فالبلد الوحيدة التي تجاوزت الولايات المتحدة في بصمة القدم هي الإمارات العربية المتحدة , حيث يحتاج الفرد فيها في المتوسط إلى (9,5) هكتار لكي يستمر في نمط حياته الحالي . فجاءت خمس دول في قائمة أكثر الدول في بصمات القدم البيئية فكانت بالترتيب : (الأمارات ,الولايات المتحدة , الكويت , الدنمارك , أستراليا ) .
وفى المقابل تحتل ( بنجلاديش , الكونغو , هاييتي , أفغانستان , مالاوي ) في المراكز الخمسة الأخيرة .
فبصمة قدم المواطن في الكونغو لا تتجاوز (0,5 ) هكتار هذا يعنى إنها بلد تواجه مستقبلاً يخيم علية انكماش الموارد الطبيعية , وذلك نتيجة إزالة الغابات والاحتياجات المتزايدة للنمو السكاني وضغوط الصادرات رغم ثرواته الطبيعية الهائلة . وفى ذات السياق فإن الولايات المتحدة والصين هما الأكثر تأثيراً في البيئة حيث تحتكر كل منهما 21 % من القدرة الحيوية بكوكبنا.


الانهيار الأيكولوجى و الأزمة الاقتصادية أيهما أخطر على العالم ..؟

تقرير كوكب (العالم الحي ) مازال يكشف ويوضح لنا تداعيات الانهيار الأيكولوجى القادم فتضمن التقرير مؤشرا ً ثالثا ً بعد بصمة القدم البيئية والمائية وهو قياس ( تطور التنوع الحيوي العالمي ) , فأظهر هذا المؤشر انكماشا قدر نحو 30 % منذ عام 1970 فى أعداد ( 1686 ) نوعاً من الثدييات , الطيور , الزواحف والبرمائيات والأسماك فى مناطق العالم كافة .

Image

دموع الايكولوجي ستكون أشد


وتزداد الصورة قاتمة ًعلى نحو خاص في المناطق المدارية حيث وصلت نسبة هذا التراجع إلى 51 % .
ويقف خلف هذا التراجع الخطير لثرواتنا الطبيعية عوامل مثل : تغير المناخ , إزالة الغابات في المناطق الإستوائية, وتأثر بناء السدود وتغيير مجارى الأنهار على الأنواع التي تعيش في المياه العذبة بجانب التلوث والصيد المفرط .
ووصف ( جو ناثان لو ) أحد الباحثين الذين وضعوا التقرير قائلاً : " لقد تصرفنا أيكولوجياً بالطريقة نفسها التي يتصرف بها المؤسسات المالية اقتصاديا ( الحث عن العائد الحالي السريع دون النظر لعواقب ذلك ) ولكن ..عواقب الأزمة الإيكولوجية العالمية ستكون أخطر وأكبر بكثير من الأزمة الاقتصادية الحالية ".
كما أضاف الرئيس الدولي للصندوق العالمي للحياة البرية ( أميكا أنياوكو) " إن الأحداث الأخيرة أظهرت مدى الحمق الذي نقع فيه عندما نعيش على أكثر من إمكانيتنا ولكن ؛ على الرغم من الأثر الكارثي للأزمة المالية الحالية فإنها لا تعادل شيئاً بالمقارنة مع الانتكاسة البيئية التي تنتظرنا " وأكمل حديثة قائلاً : أن خسارة ( تريليوني دولار) في أسواق السندات والأسهم تتضاءل أمام قيمة ( 4.5 تريليون دولار ) من الموارد الطبيعية التي تدمر إلى الأبد كل عام.



اختفاء الغابات سبب اختفاء الأموال

Image

اختفاء الغابات سبب اختفاء الأموال


التقرير ذكر في ختامه الدراسة التي أجريت من جانب المفوضية الأوربية كشفت " أن الاقتصاد العالمي يفتقد أمولاً نتيجة لاختفاء الغابات وتفوق بكثير ما يفقده نتيجة للأزمة المالية الراهنة " وقدرت الدراسة الخسائر السنوية الناجمة على اجتثاث الغابات بين (تريليونين وخمسة تريليون دولار ) .
وكانت النتائج الذي خرج بها خلاصة التقرير هو أن نصف القرن شهد ازديادا هائلاً في الضغوط البشرية على الكوكب بأكثر من الضعفين بسبب النمو السكاني وارتفاع الاستهلاك الفردي , وأن الاستغلال المفرط للمواد الطبيعية أدى إلى استنزاف الأنظمة الإيكولوجية وأصبح الاستهلاك المستهتر " للرأسمال الطبيعي" يهدد مصير العالم ورخاءه بما يجر ذلك من آثار اقتصادية من بينها ارتفاع أسعارا لمواد الغذائية والماء والطاقة .


اقتراحات

ولم يختتم تقرير ( الكوكب الحي ) صفحاته إلا بالإشارة إلى عدداً من الاقتراحات الأساسية (أودات الاستدامة الأساسية ) التي إذا طبقت يمكن أن تتضافر معاً لإيقاف الانزلاق نحو عاصفة الأزمة الإيكولوجية العالمية وإلحاق الضرر الغير قابل للإصلاح بأنظمة الدعم على كوكبنا .
فقال التقرير " بالنسبة للتحدي المفرد الأكبر أهمية أي تغير المناخ , بين التقرير أن مجموعة من " الأوتاد " المتجددة والعالمية الكفاءة والقليلة الإنبعاثات يمكنها أن تلبى الزيادة المتوقعة في الطلب على الطاقة بحلول عام 2050 مع تخفيض في إنبعاثات الكربون تتراوح بين 60 و 80 % .


مهارة البشر في صنع المشاكل

وأختتم التقرير بكلمة مدير الحملات في الصندوق العالمي للحياة البرية ( ديفيد نورمان ) قال " نحن البشر كنا ماهرين جداً في صنع المشاكل , لكن بوسعنا أن نكون ماهرين أيضاً في حلها , و" عالم مستدام " ليس هدفاً مستحيل التحقيق . وبينما يبحث العالم عن استعادة عافية اقتصادياته يتعين علينا أن نبنى استدامة بيئية واقتصادية طويلة الأمد ".



* مراسلة الاستثمار نت - القاهرة


 

مواضيع ذات صلة :