الإشارة إنها قد تبدو حمراء .. تغيرات من لونها الأخضر ؛ كي تخبر العالم أن الأزمه وقعت بالفعل وتمثل هذا أمام أعيننا بكوارث الطبيعية التي حدثت خلال الأيام القليلة الماضية " بسيول السعودية ومصر" ؛ وزلزال هايتي المدمر الذي عصف بها ..كل هذة الأحدث تؤكد ما تم عرضة من توقعات العلماء والخبراء فيما يتعلق بالمناخ وتغيراته التي لحقت بنا كالسيل العرم ، فلحقت بالإنسان والنبات والحيوان ولم تترك شبراً على الأرض إلا وتركت بصمتها عليه ومازالت مستمره.. فبهذا التحقيق نكمل رحلتنها مع التغير المناخي على أرض المعمورة .. فلنبدأ بأول مرسى لنا وهو عالم الحيوان وما لحق بها وهي كالتالي ..:
سلسلة حلقات تعدها الزميلة إلهام محمد علي
ثدييات العالم على حافة الإنقراض
بالرغم من الأهمية التي تنطوي عليها قضية التنوع الحيوي بالنسبة لوجودنا ذاته، فإنها تبدو بعيدة إلى حد كبير، إن لم تكن غائبة تماما، عن أذهان الرأي العام، ليس في عالمنا العربي فقط، بل في أنحاء كثيرة من العالم.
ويمتد الأمر ليشمل أيضا الدوائر العلمية، التي لا تبذل الجهد المطلوب، ولا تخصص الاعتمادات المالية الكافية، للوصول إلى فهم أفضل لوضع الأنواع على كوكبنا. وتأتي كل دراسة علمية جديدة بنتائج صادمة، سواء على مستوى المعدلات المخيفة لانقراض الأنواع المختلفة على كوكبنا، أو على مستوى التراجع المخيف لأعداد كل نوع على حدة، باستثناء ذلك النوع الشره الذي فرض هيمنته على كوكبنا على حساب كل الكائنات الأخرى، أي الإنسان.
ووفقا لـ "القائمة الحمراء للأنواع المهددة"، التي أصدرها "الاتحاد الدولي لصون الطبيعة" على هامش مؤتمره السنوي الذي عقد في برشلونة في أواخر عام 2007 ، أكد التقرير الأكثر شمولية لوضع الثدييات في العالم أنها تواجه أزمة انقراض، حيث، يواجه نوع من بين كل أربعة أنواع من الثدييات خطر الاختفاء إلى الأبد. كما أن أعداد نصف أنواع الثدييات تتراجع بشكل حاد عاما بعد آخر.
وكشفت الدراسة الجديدة لتقييم ثدييات العالم أن خطر الانقراض يهدد 1141 نوعا من بين الـ5487 نوعا من الثدييات التي تعيش على كوكب الأرض. ويعرف العلماء أن هناك 76 نوعا من الثدييات على الأقل قد انقرضت منذ العام 1500.
لكن الدراسة أثبتت أيضا أن الجهود الحمائية يمكنها كذلك أن تعيد بعض الأنواع ثانية من حافة الانقراض، حيث أظهرت خمسة في المائة من الثدييات المهددة حاليا بشائر الانتعاش في البرية.
وتقول جوليا مارتن لوفيفر المدير العام للاتحاد الدولي لصون الطبيعة:" في حياتنا قد نشهد انقراض مئات الأنواع نتيجة لسلوكياتنا نحن، وهو مؤشر مخيف على ما يحدث في النظم الإيكولوجية التي تعيش فيها. ويجب علينا أن نحدد الآن أهدافا واضحة للمستقبل لكي نوقف هذا الاتجاه لضمان ألا يؤدي أسلوب حياتنا الحالي إلى انقراض العديد من أقرب الأنواع إلينا"
وربما يكون الوضع على الأرض أكثر سوءاً بكثير، حيث كشفت الدراسة أن هناك نقصاً حادًا في البيانات فيما يتعلق بـ836 نوعا من الثدييات. ومع حصولنا على مزيد من البيانات، قد يتضح أن هناك مزيداً من الأنواع تتعرض لخطر الانقراض.
وفي مقال نشره أخيرا في مجلة ساينس العلمية الذائعة الصيت، قال "يان شيبر" الباحث في الاتحاد الدولي لصون الطبيعة: "الواقع أن عدد الثدييات المهددة قد يزيد على 36%؛ وهذا ما يشير إلى أن الجهود الحمائية المدعومة بالبحث العلمي لها أولوية واضحة في المستقبل، ليس فقط لتحسين البيانات بحيث يصبح بوسعنا تقييم التهديدات التي تحيق بتلك الأنواع التي نفتقر للمعلومات الكافية عنها، بل والتفتيش عن وسائل إنقاذ الأنواع المهددة وزيادة أعدادها".
قائمة الثدييات المهددة بالإنقراض
وأدرجت الدراسة أن 188 نوعاً من الثدييات ضمن فئة «الأنواع المهددة بخطر داهم Critically Endangered، بما في ذلك الوشق الأيبيري the Iberian Lynx pardinus، الذي لم يبق منه إلا 84-143 حيوانا بالغا وتواصل أعداده في التراجع نتيجة لاختفاء فرائسه الرئيسية، أي الأرنب الأوربي.
وأدرجت الدراسة غزال بيري ديفيد الصيني China s Père David s Deer Elaphurus Davidianus ضمن فئة «الحيوانات المنقرضة في البرية».
ومع ذلك، فإن أعداده الأسيرة وشبه الأسيرة في إزدياد مستمر، وربما يعاد إطلاق بعضها في البرية في القريب العاجل.
لكن قد يكون الأوان قد فات لإنقاذ 29 نوعاً أخرى أدرجتها الدراسة ضمن فئة «الأنواع المهددة بخطر داهم وربما انقرضت»، مثل هوتيا الأرض الصغيرة الكوبية Cuba s Little Earth Hutia، التي لم تشاهد منذ أكثر من أربعين عاما.
وأما الثدييات التي اعتبرتها الدراسة «أنواعا مهددة» فوصل عددها إلى نحو 450 نوعا، بما في ذلك العفريت التسماني Tasmanian Devil Sarcophilus Harrisii «حيوان من ذوات الجراب»، الذي انتقل من فئة «في وضع يدعو إلى القلق» إلى فئة «الأنواع المهددة» بعد أن انخفضت أعداده على مستوى العالم بنسبة تزيد على 60 في المائة في السنوات العشر الأخيرة بسبب تفشي مرض سرطان الوجه القاتل بين أفراده.
ويؤثر فقدان الموائل الطبيعية وتدهورها على 40 % من الثدييات في العالم ؛ وتصل هذه الظاهرة إلى أقصى درجاتها في وسط وجنوبي أمريكا الجنوبية، وغربي وشرقي ووسط إفريقيا، ومدغشقر، وجنوبي شرقي آسيا. ويؤدي الصيد المفرط إلى اقتلاع الثدييات الكبيرة من موائلها، خاصة في جنوبي شرقي آسيا، وأيضا في أجزاء من إفريقيا وأمريكا الجنوبية.
ولا يوجد حيوان السنجي الرمادي الوجه Grey -Faced Sengi، أو ذبابة الفيل Elephant-shrew Rhynchocyon Udzungwensis «حيوان من آكلات الحشرات يشبه الفأر»، إلا في غابتين في جبال أودزونجوا في تنزانيا، وكلتاهما محميتان تماما لكنهما مكشوفتان أمام أي حريق عشوائي. وهذا الحيوان لم يكتشف إلا في العام الماضي وأدرج فورا ضمن فئة «الأنواع المهددة بالانقراض".
بصيص أمل ..
لكن الدراسة حملت أيضا أخبارا جيدة. فقد كشف تقييم ثدييات العالم أن الأنواع المختلفة يمكنها التعافي مع الجهود الحمائية المنسقة. فابن مقرض الأسود القدم The Black-footed Ferret Mustela Nigripes انتقل من فئة «منقرض في البرية» إلى فئة "مهدد بالانقراض" بعد أن نجحت جهود إدارة المصايد والحياة البرية الأمريكية في إعادة إطلاقها إلى بيئاتها الطبيعية في الولايات الغربية والمكسيك خلال الفترة 1991-2008. كذلك انتقلت الخيول البرية Equus Ferus من فئة «منقرضة في البرية» العام 1996 إلى "معرضة لخطر داهم" العام الماضي بعد جهود مكثفة لإعادة توطينها في موائلها الأصلية في منغوليا في مطلع التسعينيات.
وانتقلت الأفيال الإفريقية Loxodonta Africana من فئة (معرضة للخطر) إلى فئة (شبه مهددة)، رغم تباين أوضاع مجموعاتها في مختلف موائلها الطبيعية؛ ويعود هذا التحسن إلى الزيادة المستمرة في أعدادها في جنوبي وشرقي إفريقيا. وهي زيادة كبيرة إلى درجة فاقت كل النقصان في المناطق الأخرى.
ليس الثدييات فقط
ظهرت مجموعات جديدة من الأنواع لأول مرة في القائمة الحمراء، الأمر الذي يعكس تنوع وثراء بياناتها؛ فالعناكب الذئبية الهندية Indian tarantulas، التي يتباهى الهواة باقتنائها ويتعرض وجودها للخطر بسبب انتعاش الاتجار الدولي فيها، سجلت ظهورها للمرة الأولى ضمن «القائمة الحمراء» ؛ وهي تعاني فقدان موائلها الطبيعية بسبب التوسع العمراني وشبكات الطرق الجديدة. كذلك أدرجت القائمة عناكب راميشوارام ذات المظلة Rameshwaram Parachute Spider ضمن فئة "معرضة لخطر داهم" بعد أن تعرضت موائلها الطبيعية للتدمير الكامل تقريبًا.
ولأول مرة، تم تقييم الـ161 نوعا المعروفة من أسماك القشر Grouper «أسماك كبيرة تألف قيعان البحار الدافئة»، التي يتهدد الانقراض 20 نوعا منها؛ وأدرج القشر المرجاني المربع الذيل Squaretail Coral Grouper الذي يعيش في المحيط الهادئ ضمن الأنواع المعرضة لخطر الانقراض. ويعتبر هذا النوع من الأسماك من الوجبات الفاخرة ويتم اصطياده عادة في مرحلة التبييض، وهو خطر كبير يهدد كل أنواع أسماك القشر.
وتواجه البرمائيات أزمة انقراض مع إضافة 366 نوعا منها إلى القائمة الحمراء الجديدة. والآن يبلغ عدد أنواع البرمائيات التي انقرضت أو في طريقها للانقراض 983,1 نوعا. وفي كوستاريكا، انتقل ضفدع هولدريدج، وهو من الأنواع المتوطنة، من فئة «معرضة لخطر داهم» إلى فئة «الأنواع المنقرضة»، حيث لم يشاهد منذ العام 1986 رغم عمليات البحث المكثفة.
ومن بين أنواع الزواحف الجديدة التي تضمنتها القائمة الحمراء الأخيرة عظاءة (سحلية) لابالما العملاقة La Palma Giant Lizard Gallotia auaritae. وكانت هذه العظاءة قد اكتشفت لأول مرة في جزيرة لابالما في الكناري واعتقد طوال الـ 500 عام الماضية أنها قد انقرضت، لكنها اكتشفت مجددا في 2007 وأدرجت ضمن فئة الأنواع المعرضة لخطر داهم. ويعد التمساح الكوبي Cuban Crocodile Crocodylus rhombifer أيضا من الزواحف المعرضة لخطر داهم، بعد أن انتقل إليها من فئة الحيوانات المهددة بالانقراض بسبب الصيد غير القانوني للاتجار في لحمه وجلده الذي يستخدم في صناعة الملابس الفاخرة.
الكوارث الطبيعية تهدد مصر والبحرين
دعا الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي) مون مختلف حكومات العالم إلى توظيف المزيد من الإستثمارات لأغراض الحد من مخاطر الكوارث الطبيعة، والتي تسببت خلال العام الماضي وحده في مقتل ما يزيد على 236 ألف شخص، كما تسبّبت بأضرار لنحو 200 مليون آخرين.
وفيما قال كي مون إن بلدان الخليج "لاتزال أقل تعرضاً للكوارث حتى الآن"، فقد حذر من أن ارتفاع منسوب مياه البحر، يهدد كلا من البحرين ومصر وجيبوتي، كما أن العديد من البلدان العربية الأخرى «منكوبة» بالزلازل والجفاف.
جاءت دعوة بان كي مون خلال حفل إطلاق «تقرير التقييم العالمي بشأن الحد من مخاطر الكوارث Global assessment report on disaster risk reduction (2009)»، الذي أقيم في البحرين أخيراً.
ووصف المسئول الأممي التقرير بأنه: "أشمل جهد دولي لتحديد مخاطر الكوارث، وتحليل أسبابها، وإظهار ما يمكننا القيام به للتصدي لهذا التحدي"، مضيفاً أن نجاح الدول المختلفة في الحد من أثار الكوارث الطبيعية التي قد تتعرض لها، يساعد في خفض معدلات الفقر، وصون التنمية، والتكيف مع التغيرات المناخية، مما يؤدي بدوره إلى إمكان توطيد الأمن، وتعزيز الاستقرار على الصعيد العالمي.
كما أشار إلى أن: «نسبة 75 % ممن يلقون مصرعهم بسبب الفيضانات، يعيشون في ثلاثة بلدان فقط، في إشارة إلى كل من بنغلادش والصين والهن".
وأضاف أن التقرير: "يحث بوجه خاص على إجراء تحول رئيسي في مسار التفكير بشأن التنمية، من خلال التشديد على الصمود، وعلى اتخاذ تدابير احترازية".
والواقع أن الكوارث الطبيعية تزيل في بضع ثوانٍ عقودا من التقدم في تقليص حدة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة؛وقد زادت تأثيراتها زيادة كبيرة، سواء فيما يتعلق بفقدان الأرواح أو الخسائر الاقتصادية. ففي العام 2008، تضاعفت الخسائر في الأرواح الناجمة عن الكوارث الطبيعية ثلاث مرات لتصل إلى 235 ألفا، مقارنة بمعدل سنوي بلغ 66 ألفا خلال الفترة من 2000 - 2007.
الفقر والخسائر الإقتصادية وجهين لعمله واحدة
وقدرت الخسائر الاقتصادية المرتبطة بها خلال العام الماضي بنحو 181 بليون دولار، أي أكثر من ضعف المعدل السنوي البالغ 82 بليون دولار خلال الفترة نفسها.
وتشهد طبيعة الكوارث وتواتر حدوثها تغيراً مطردا؛ فتغيّر المناخ، والتوسع الحضري الجامح، وانعدام الأمن الغذائي، ونشوب الصراعات، هي كلها عوامل تؤدي ليس فقط إلى تضخيم الآثار المترتبة على الأخطار الطبيعية، بل وتسفر أيضا عن تفاقم المخاطر الأساسية الكامنة في ثناياها.
تتركز الخسائر الناجمة عن الكوارث التي يتم رصدها دولياً في عدد قليل من الأحداث النادرة. فباستثناء الأوبئة، فقد سجلت قاعدة بيانات الكوارث الدولية (EMDAT) فيما بين يناير 1975 وأكتوبر 2008، 8866 كارثة أودت بحياة 2283767 نسمة، من بينها 23 كارثة كبرى، قُتل خلالها 1786084 نسمة، معظمهم في الدول النامية. أي أن 0.26% من الكوارث أسفرت عن 78.2% من الوفيات. وخلال الفترة نفسها بلغت الخسائر الاقتصادية المسجلة 1527.6 بليون دولار أمريكي.
على مدى ما لا يقل عن 30 عاماً، سلطت الأبحاث الضوء على حقيقة أن للكوارث تأثيرات كبيرة وغير متكافئة على الفقراء في الدول النامية ؛وقد أبرز تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (مكتب الوقاية والتعافي من الأزمات ) لعام 2004 بعنوان «الحد من مخاطر الكوارث: تحدٍ يواجه التنمية» إنه بينما يعيش 11% فقط من المعرضين للأخطار في دول ضعيفة التنمية البشرية، فإن 53% من الوفيات بسبب الكوارث تتركز في هذه الدول.
وقد جمع هذا التقرير قدراً كبيراً من الدلائل التجريبية التي تؤكد أن مخاطر الكوارث مرتبطة بشكل أساسي مع الفقر على المستويين العالمي والمحلي.
وعلى المستوى العالمي، يؤكد هذا التقرير أن الدول الأكثر فقراً يكون بها مخاطر وفيات وخسائر اقتصادية غير متكافئة عند التعرض لمستويات متماثلة من الأخطار. فعلى سبيل المثال، تمثل الدول مرتفعة الدخل 39% من التعرض للأعاصير الاستوائية، إلا أنها تمثل 1% فقط من مخاطر الوفيات. وتمثل الدول منخفضة الدخل 13% من التعرض وما لا يقل عن 81% من مخاطر الوفيات.
وأيضاً على سبيل المثال، يبلغ إجمالي الناتج المحلى للفرد في اليابان 31267 دولاراً أمريكياً، بالمقارنة مع 5137 دولاراً أمريكياً في الفلبين، وكان مؤشر التنمية البشرية في اليابان 0.953 بالمقارنة مع 0.771 في الفلبين. كما أنه يوجد في اليابان حوالي 1.4 ضعف عدد الأشخاص المعرضين للأعاصير الاستوائية عن الفلبين، إلا إنه عند إصابتهما بإعصار استوائي بالشدة نفسها، فإن الوفيات في الفلبين تكون 17 ضعف الوفيات في اليابان.
كما تعاني الدول ذات الإقتصادات الصغيرة والقابلة للتضرر مثل العديد من الدول الجزرية الصغيرة النامية والبلدان النامية غير الساحلية ليس فقط من مستويات أعلى نسبيا في الخسائر الاقتصادية بالنسبة إلى حجم إجمالى الناتج المحلى بها. بل إنها أيضا تعاني قدرة منخفضة على مجابهة الخسائر، مما يعني أن الخسائر الناجمة عن الكارثة يمكن أن تؤدي إلى إخفاقات كبيرة في التنمية الاقتصادية. ونجد أن الدول الأكثر قابلية للتضرر من الناحية الاقتصادية للأخطار الطبيعية والأقل قدرة على المجابهة هي أيضاً الأقل كثيراً في المشاركة في الأسواق العالمية ومنخفضة في تنوع الصادرات.
وأوضح كم كبير من الدلائل التجريبية من جميع الأقاليم أنه بينما تؤدي الخسائر الناجمة عن الكوارث إلى نقص ملحوظ في الدخل والاستهلاك ومؤشرات التنمية البشرية، فإن هذه التأثيرات تظهر بشكل أبرز في الأسر والمجتمعات الفقيرة. فتشير الدلائل إلى زيادة عمق الفقر واتساعه والصعوبات طويلة المدى التي تواجه التعافي، والتأثيرات السلبية الشديدة على التنمية البشرية في نواحٍ مثل التعليم والصحة، والتي لها أيضا عواقب على المدى الطويل.
التدهور البيئي إلى أين ..؟
فى المناطق الريفية والحضرية، يزيد الإرتباط بين خطر الكوارث والفقر بسبب التدهور البيئي، حيث أبرز تقييم الألفية للنظم البيئية لعام 2005 التدهور الواضح في العديد من النظم البيئية الرئيسية.
فالنظم البيئية الطبيعية مثل أراضى المستنقعات والغابات وأشجار المنجروف ومستجمعات الأمطار تؤدي وظيفة حيوية فى تنظيم مُعدلات وحدة الأخطار مثل الفيضانات والانهيارات الأرضية.
كما أنها وفى الوقت نفسه تقدم مصدراً إضافياً مهماً للدخل للفقراء. فعندما تتدهور النظم البيئية، تنخفض قدرتها على توفير هذه الخدمات وهكذا تتزايد الأخطار والقابلية للتعرض على حد السواء.
وتعتمد المجتمعات الفقيرة فى الدول النامية عادة بشكل غير متكافئ على الخدمات التي توفرها النظم البيئية. فطبقا لأحدث أطلس لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة حول إفريقيا، تعتبر إزالة أشجار الغابات واحدة من أبرز المشكلات فى 35 دولة إفريقية ؛ ففي الكاميرون وحدها، على سبيل المثال، تتم إزالة 200000 هكتار كل عام.
تغير المناخ العالمي
يعتبر تغير المناخ الناتج العالمي الأكبر لعدم المساواة البيئية، حيث إنه ناتج من الانبعاثات التي أتت بالفوائد للأفراد والمجتمعات الغنية، فى حين يقع أغلب العبء على الأفراد والمجتمعات الأفقر، وخاصة الدول النامية ومواطنيها الأفقر، حيث إنهم الأكثر قابلية للتضرر.
وكان التقرير التقييمي الرابع للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ قد أكد أنه إذا ارتفعت درجة حرارة كوكب الأرض درجتين مئويتين فوق المستويات السابقة للتصنيع، فقد يكون من الممكن حدوث انهيار كارثي للنظم البيئية وسيكون له تأثيرات محتملة غير متوقعة وغير معروفة على الفقر وعلى مخاطر الكوارث .
وأكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أيضا أن التوزيع الجغرافي لهذه الأخطار وتكرار حدوثها وحدتها قد تغيرت تغيراً ملحوظاً بسبب تغير المناخ
. فالتغيرات تحدث في حجم وحدة وتكرار ونوع الترسبات، وهذا يرتبط بالزيادة في اتساع المناطق المتأثرة بالجفاف، والزيادة في عدد مرات حدوث الترسبات اليومية الكثيفة التى تؤدي إلى الفيضانات والزيادة فى حدة ومدة أنواع معينة من العواصف الاستوائية.
وعلى الرغم من ذلك، فتغير المناخ يزيد من التفاعلات بين مخاطر الكوارث والفقر. فمن ناحية، تغير المناخ يزيد من الأخطار المتعلقة بالطقس والمناخ. ومن ناحية أخرى فهي تقلل من قدرة العديد من الأسر والمجتمعات على المجابهة لاستيعاب آثار خسائر الكوارث والتعافي منها نتيجة لعوامل مثل النقص فى الإنتاجية الزراعية والزيادة فى ناقلات الأمراض والنقص في المياه والطاقة فى العديد من المناطق المعرضة للكوارث. ولذلك، فإن تغير المناخ حالياً المحرك العالمي الرئيسي لمخاطر الكوارث.
العالم مهدد بالكوارث المناخية
عالمياً، تزداد مخاطر الكوارث المتعلقة بالأخطار المناخية مثل الفيضانات والأعاصير الاستوائية حتى إذا استمرت مستويات الأخطار ثابتة. ومحلياً، يزداد الاتساع السريع للمخاطر الممتدة المتعلقة بالمناخ الموثقة في هذا التقرير بشكل حاد للغاية ؛ فحتى الزيادات الطفيفة في مستويات الأخطار الناتجة عن تغير المناخ سيكون لها أثر كبير وضخم على مخاطر الكوارث .
و الأمر الخطير هو أن هذه الزيادات ستفاقم بشكل أكبر التوزيع غير المتساوي للمخاطر بين الدول الأغنى والدول الأفقر وبين الأغنياء والفقراء فى هذه الدول.
تخفيف آثار الكوارث
وعليه فإن تخفيض درجة التعرّض لتلك الكوارث في البيئة العالمية المتغيرة في الوقت الحاضر يقتضي بذل جهود غير مسبوقة: كإتاحة أفضل المعارف والمهارات، وزيادة الابتكار والتميز الإبداعي، وتعزيز القدرات البشرية والمؤسسية؛ وزيادة الكفاءة التنظيمية على الصعيد القطري والإقليمي والدولي.
وانتهى التقرير إلى عدد من التوصيات، ضمن ما أطلق عليه اسم "خطة العشرين نقطة للحد من المخاطر"، رأى أنها قد تكون كفيلة بتخفيف أثار الكوارث الطبيعية، إذا ما التزمت الحكومات المختلفة بما ينبغي عليها نحو حماية شعوبها.
ومن بين ما أوصى به التقرير، الإسراع في الجهود الرامية لتجنب التغيرات المناخية الخطيرة، من خلال «الموافقة على اتخاذ تدابير فعالة"، من قبيل وضع إطار سياسة متعددة الأطراف لخفض الانبعاثات من غازات الدفيئة، وإقرار الحد من الانبعاثات الكربونية.
الإقتصاد لمواجة الكوارث
كما دعا التقرير إلى "تعزيز قدرات المجابهة الاقتصادية لدى الاقتصادات الصغيرة والقابلة للتضرر"، من خلال تنسيق السياسات الخاصة بتنمية القطاع التجاري والإنتاجي، مع سياسات التكيف مع تغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث، خاصة في الدول الجزرية الصغيرة والدول النامية غير الساحلية.
وطالب التقرير بـ"تعزيز تنمية صناديق الكوارث بين الدول، للسماح بتحويل المخاطر الرئيسية بتكلفة معقولة، وتقديم آليات أكثر أماناً لتحقيق التعافي، وإعادة الإعمار"، بالإضافة إلى «تبني أطر لسياسات تنموية عالية المستوى»، للحد من المخاطر، بدعم من السلطات السياسية.
كما تضمنت «خطة العشرين نقطة» دعوة الحكومات إلى تعزيز الاستثمار في إدارة الموارد الطبيعية، وتنمية البنية التحتية، وتحسين سبل المعيشة، بالإضافة إلى حماية وتعزيز خدمات النظم البيئية، مع ضمان توفير استثمارات إضافية لإدخال اعتبارات الحد من مخاطر الكوارث ضمن مشروعات التنمية.
تغيُّر المناخ يُفاقم الفقر ويدمر الأمن الغذائي والاقتصادي
يتحقق الأمن الغذائي عندما يتمتع البشر كل في جميع الأوقات بفرص الحصول، من الناحيتين المادية والاقتصادية، على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي حاجاتهم التغذوية وتناسب أذواقهم الغذائية كي يعيشوا حياة توفر لهم النشاط والصحة. لذا فإن هذا الهدف يبقى مراوغا وعصيا على التحقق رغم الإنجازات الهائلة التي حققتها البشرية ككل في زيادة غلة الإنتاج الزراعي.
فهذه الزيادة تتبدد باستمرار بسبب التوسع غير المبرر في إنتاج الوقود الحيوي على حساب إطعام الفقراء والجوعى في الدول الفقيرة، والذين تجاوز عددهم أخيراً حاجز المليار نسمة، أي شخص واحد من أصل ستة أشخاص.
وفي إطار حشد المجتمع الدولي لقدراته لمواجهة هذا الوضع، نظمت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) في أكتوبر الماضي منتدى بعنوان «إطعام العالم - عام2050»، جمع نحو 300 خبير دولي، لمناقشة القضية.
وخلال النصف الأول من القرن الحالي، وبموازاة النمو السكاني العالمي إلى 9 مليارات نسمة تقريباً، سوف يزداد الطلب العالمي على الأغذية والعلف والألياف بمقدار الضعف تقريباً في حين أنّه يرجّح أيضاً حدوث ازدياد مطرد في استخدام المحاصيل لإنتاج الطاقة الحيوية ولأغراض صناعية أخرى.
وبذلك، سيمارس الطلب الجديد والمعتاد على الإنتاج الزراعي ضغطاً متزايداً على الموارد الزراعية الشحيحة أصلاً.
وفي حين سيتعيّن على الزراعة أن تتنافس مع المستوطنات الحضرية المتسّعة للحصول على الأراضي والمياه، سيجدر بها أيضاً العمل على جبهات رئيسية أخرى هي: التكيّف مع تغير المناخ والمساهمة في التخفيف من وطأة تأثيراته، والمساعدة على الحفاظ على الموائل الطبيعية، وحماية الأنواع المهددة بالخطر والمحافظة على مستوى عالٍ من التنوع البيولوجي.
وكما لو أنّ هذه التحديات لم تكن كافية لوحدها، سيعيش في معظم المناطق عدد أقلّ من السكان في المناطق الريفية وسيكون عدد أقلّ أكثر منهم من المزارعين. وسيكونون بحاجة إلى أنواع جديدة من التكنولوجيا لزراعة كمّ أكبر من المحاصيل باستخدام مساحة أصغر من الأراضي وقدر أقلّ من اليد العاملة.
مشكلات تستدعي حلاً
ويطرح هذا التصور عدداً من التساؤلات المهمة ؛ فهل سيكون بإستطاعتنا مثلاً: إنتاج ما يكفي من غذاء بأسعار معقولة أم أنّ ارتفاع أسعار الأغذية سيُغرق عدداً أكبر من سكان العالم في براثن الفقر والجوع؟ كم هي قدرتنا الاحتياطية من حيث الأراضي والمياه لإطعام العالم في عام 2050؟ ما هي أنواع التكنولوجيا الجديدة التي يمكن أن تساعدنا على استخدام الموارد الشحيحة بقدر أكبر من الفعالية وعلى زيادة غلال المحاصيل والثروة الحيوانية وجعلها مستقرّة؟ هل إننا نستثمر بما يكفي في البحوث والتطوير من أجل تحقيق الإنجازات في الوقت المطلوب؟ هل ستتاح الأنواع الجديدة من التكنولوجيا لمن هم أكثر حاجة إليها أي الفقراء؟ كم يجدر بنا الاستثمار لمساعدة الزراعة على التكيّف مع تغير المناخ وكم يمكن للزراعة أن تساهم في التخفيف من الأحداث المناخية المتطرّفة؟
وذكرت ورقة عمل أصدرتها «الفاو» على هامش المنتدى أن أشد الأقاليم فقراً التي تعاني أعلى معدلاتٍ من الجوع المُزمن يُحتَمل أن تكون من بين الأسوأ تضرُّراً من جرَّاء ظاهرة تغيُّر المناخ. ومن الممكن أن يتزايد اعتماد العديد من البلدان النامية، خصوصاً في إفريقيا على واردات الغذاء.
وتقدِّر ورقة أن الآثار بالنسبة لإنتاج الغذاء حتى عام 2050 على الأقل، لن تتجاوز الحدّ الأدنى لكنّ توزيع الإنتاج قد ينطوي على عواقب وخيمة للأمن الغذائي. وتحذِّر ورقة العمل من أن البلدان النامية قد تواجه هبوطاً يتراوح بين 9 و21 بالمائة في إنتاجيتها الزراعية نتيجةً لارتفاع معدلات درجات الحرارة.
المناخ يضع بصمته على الزراعه
وتؤكد ورقة العمل المتخصّصة أن تغيُّر المناخ يبرز اليوم في مقدمة التحديّات الرئيسيّة التي تواجه قدرة الزراعة على تلبية الاحتياجات الغذائية لسكان الكوكب، الذين يتوقع أن تبلغ أعدادهم نحو 9.1 مليار نسمة بحلول العام 2050.
في تلك الأثناء، ينطوي العديد من الخيارات التي يتيحها القطاع الزراعي للتخفيف من حِدة تغيُّر المناخ على فوائد كامنة تعزيزاً للأمن الغذائي وقُدرات التكيُّف لعواقب الظاهرة. ومن أبرز الأمثلة الواعدة في هذا السياق احتجاز الكربون بوتيرةٍ متزايدة في التربة من خلال أنشطة الزراعة الحرجية، وصَون الغابات، والتقليل من العزق بالإضافة إلى رفع كفاءة إدارة المغذّيات وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة.
وبالمقياس العالمي، تُطلق الزراعة نحو 14 % من الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري، في حين ينحصر نحو 74 بالمائة من مجموع العوادم المنطلِقة من الزراعة وكذلك معظم إمكانيات التخفيف التقنية والاقتصادية الممكنة (من حِدة آثار تغيُّر المناخ) "أي نحو 70 % " في نطاق البلدان النامية.
وتلاحظ ورقة العمل التي أعدتها المنظمة (فاو) للنقاش من قِبَل منتدى الخبراء المعتزم أن أيّ جدول أعمال يتناول قضية تغيُّر المناخ، لابد أن يستعرض ويقيـًّم مساهمات الزراعة المحتملة في جهود التكيّف للـظاهرة والتخفيف من وطأتها، بطرح خياراتٍ تُراعي صَون مساهمة القطاع في تدعيم الأمن الغذائي وتنميته.
التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معهتساهم الزراعة في الوقت الحاضر بنحو 14 في المائة من مجموع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (6.8 بليون طن من ثاني أكسيد الكربون)؛ ومع ذلك فبوسعها من الناحية التقنية التخفيف من هذه الانبعاثات بما بين 5ر5 إلى 6 بلايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا، فقط من خلال احتجاز الكربون في التربة أساساً في البلدان النامية.
ومع ذلك، بقيت الزراعة إلى حد كبير قضية هامشية في المفاوضات الخاصة بتغير المناخ، مع بعض الاستثناءات المتصلة بإزالة الغابات والأنشطة المتصلة بالتخفيف من تدهور الغابات. وقد حددت الفاو في العام 2009 ثلاثة أسباب رئيسية لذلك هي: (1) كثرة عدد المجالات والنظم الزراعية، والنظم الزراعية الإيكولوجية والمزارعين؛ (2) عدم تطوير منهجيات القياس، والإبلاغ والتحقق، أو شدة ارتفاع تكاليف هذه المنهجيات المطلوبة للتصدي لجوانب عدم اليقين المتصلة بالاستمرار، والتشبع، والتسرب وتحقيق التدخلات لقيمة مضافة؛ (3) ولأن مجال آليات التمويل الحالية يميل إلى استبعاد كثير من الأنشطة الزراعية، بما في ذلك العديد من أساليب احتجاز الكربون في التربة.
وسيكون من الضروري التكيف مع تغير المناخ ( بما في ذلك القدرة على التخفيف من التعرض لصدمات الطقس الشديدة ) ومواجهتها لضمان الأمن الغذائي العالمي في المديين القريب والبعيد على السواء. وبقدر تحقيق أنشطة معينة لأهداف التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره، يمكن لهذه الأنشطة أن تتيح فرصاً جديدة للتمويل. ومن العقبات الرئيسية أمام ذلك الحاجة إلى البيانات، والأطر القانونية والمؤسسية التي تقلل من تكاليف المعاملات المرتبطة ببرامج التخفيف من آثار تغير المناخ.
الأمن الغذائي
سيؤثر تغير المناخ وتنمية إنتاج الطاقة الحيوية على الأمن الغذائي بأبعاده الأربعة - توافر الإمدادات الغذائية، والحصول عليها، واستقرارها واستخدامها.
توافر الإمدادات الغذائية: قد يكون تأثير تغير المناخ على إنتاج الأغذية على المستوى العالمي ضئيلاً، ومع ذلك فمن المتوقع حدوث انخفاضات شديدة في المناطق التي تعاني بالفعل من انعدام الأمن الغذائي. ويمكن أن تشهد البلدان النامية انخفاضاً يتراوح بين 9 و21 في المائة من الإنتاجية الزراعية الكلية الممكنة نتيجة للاحترار العالمي. فعلى الرغم من أن زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من المتوقع أن يكون لها تأثير إيجابي على غلة كثير من المحاصيل، فإن جودة المنتجات الزراعية من حيث قيمتها التغذوية قد لا ترتفع تماشياً مع ارتفاع الغلة.
وعلى الرغم من أن زيادة الطلب على منتجات الوقود الحيوي قد تؤدي إلى زيادة إنتاج السلع الزراعية الأساسية، فإن جانباً كبيراً من الزيادة في الإنتاج سيتم تحويله بعيداً عن الاستخدامات الغذائية.
الحصول على الإمدادات الغذائية: وسيكون التأثير على القدرة على الحصول على الإمدادات الغذائية متفاوتاً، إذ أن أي انخفاض في الدخول الزراعية نتيجة لتغير المناخ سوف يؤدي إلى انخفاض قدرة الكثيرين من فقراء العالم على الحصول على الإمدادات الغذائية، بينما ستؤدي زيادة الطلب على السلع الزراعية الأساسية من أجل إنتاج أنواع الوقود الحيوي إلى زيادة الدخول الزراعية التي يحصل عليها بعض المنتجين، وإن كانت ستؤدي أيضاً إلى زيادة أسعار المواد الغذائية بالنسبة للمستهلكين.
النصيب الأكبر لإفريقيا
ومن المتوقع أن يكون أقوى تأثير سلبي لتغير المناخ على الزراعة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهذا يعني أن أفقر الأقاليم وأكثرها معاناة من انعدام الأمن الغذائي سوف تعاني أيضاً من أكبر انكماش في الدخول الزراعية. وعموماً، فمن المتوقع أن ترتفع أسعار المواد الغذائية بدرجة معقولة تماشياً مع حدوث زيادات معقولة في درجات الحرارة حتى سنة 2050. أما بعد سنة 2050 ومع حدوث زيادات أخرى في درجات الحرارة، فمن المتوقع حدوث زيادات كبيرة في الأسعار. فسوف يؤدي التوسع في إنتاج أنواع الوقود الحيوي إلى زيادة الضغط على الأسعار.
وفي المقابل، يمكن أن يؤدي تحسين الحصول على أنواع الوقود الحيوي إلى تحسين نوعية الهواء داخل المنازل في ظروف المعيشة الفقيرة المعتمدة على حطب الوقود، أو الفحم النباتي أو روث الحيوانات في علميات الطهي والتدفئة، ويمكن أن يؤدي إلى تقليل الوقت الذي يقضيه النساء في جمع حطب الوقود، وإلى تحسين صحتهن، وزيادة الوقت الذي يقضينه في رعاية الأطفال وتغذيتهم.
وتُورد ورقة العمل التي أعدتها «الفاو»، أن تغيُّر المناخ يشمل الأبعاد الأربعة للأمن الغذائي من توافر الغذاء، وقدرة الوصول إليه، وقدرة استخدامه، واستقراره.
وبالمقياس الكَمّي لتوافر الغذاء فإن زيادة تركّزات ثاني أكسيد الكربون في الأجواء يُتوَقع أن تنعكس إيجابياً على تعزيز غلال العديد من المحاصيل، حتى وإن ظلّت المتحصّلات التغذوية للمحاصيل بلا تحسّن نوعي إزاء التحسّن الكمّي.
ومن شأن تغيُّر المناخ أن يزيد حدّة تقلبات الإنتاج الزراعي على امتداد جميع المناطق، مع التفاقُم في تَردي الأحداث المناخية الحادّة.. في حين ستتعرّض أفقر المناطق إلى أعلى درجات عدم الاستقرار في الإنتاج الغذائي.
المناخ يهدد الإنتاج الزراعي
على صعيد ثانِ، فإن تغيُّر المناخ يُحتمَل أن ينطوي على تعديلاتٍ في ظروف مأمونيّة المواد الغذائية وسلامتها مع تزايُد ضغوط الأمراض المنقولة والوافدة عبر الحاضنات، والماء، وتلك المحمولة بواسطة الغذاء ذاته. وقد يترتّب على ذلك هبوطٌ كبير في الإنتاجية الزراعية، وفي إنتاجية الأيدي العاملة وقد يفضي إلى تفاقُم الفقر وزيادة معدّلات الوفيّات.
من المرجَّح أن يتأثر الإنتاج الزراعي والغذائي سلبياً لدى العديد من الُبلدان النامية، بسبب تغيّر المناخ وخصوصاً في البلدان ذات مستويات الدخل المحدودة والمعدلات المرتفعة من الجوع والفقر، نظراً لكونها بالفعل عُرضةً إلى حد كبير لآثار الجفاف والفيضانات والأعاصير.
وفي إفريقيا قد يُفاقِم الاتجاه اعتماد العديد من البلدان على واردات الغذاء.. خاصةً على ضوء التقديرات التي تُسقِط انخفاضاً في الناتج الزراعي للقارة يتراوح بين 15 و30 بالمائة من الآن وحتى الفترة 2080 - 2100.
أمّا أشدّ الآثار السلبية قاطبةً بسبّب تغيُّر المناخ على الزراعة فالمتوقّع أن يشهدها إقليم إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. أي أنّ أفقر المناطق وأشدّها انعداماً من حيث الأمن الغذائي من المقدَّر أن تعاني أشدّ انكماشِ في مستويات الدخل الزراعية.
التأقلم مع التغير المناخي حلم صعب التحقيق ..
وتؤكد ورقة العمل التي أعدتها المنظمة (الفاو) أن تكيُّف القطاع الزراعي لسياق تغيُّر المناخ ينطوي على تكاليف باهظة لكنه حاسم لأمن الغذاء، والحدّ من الفقر، وصَون النظام الايكولوجي.
ومن هنا، فإن الزخم الراهن للاستثمار في السياسات الزراعية المحسّنة والمؤسسات والتقنيات تحقيقاً لغاية الأمن الغذائي وأمن الطاقة، إنما يتيح فرصةً فريدة لإدراج إجراءات الحدّ من التغيُّر المناخي والتخفيف من آثاره في صُلب الاستراتيجية المعتزمة لخدمة القطاع الزراعي.
وما تلاحِظه ورقة العمل المطروحة للنقاش على منتدى الخبراء المعتزم أن الزراعة ظلّت إلى وقتٍ قريب قضيةً هامشية إلى حد بعيد في إطار المفاوضات بشأن تغيُّر المناخ، خِلافاً لبعض الاعتبارات التي تناولت أنشطة مقاوَمة إزالة الغابات ووقف تدهور المناطق الحرجية. ومن بين الأسباب التي حدّدتها "الفاو" وراء هذا الاستثناء، التوجُّه العام من قِبَل آليّات التمويل لعدم تضمين العديد من الأنشطة الزراعية، وبضمنها أنشطة احتجاز الكربون.. في سياق إختصاصها.
لم ننتهي بعد ..
الرحلة .. لم تنتهي بعد .. بل أنها بدأت من حيث انتهينا خرجت من واقع الدراسات إلى أرض الواقع ؛ فسوف يكون لنا لقاءات أخري ، كي نعرض فيها واقع أزمة ( التغير المناخي ) بالتفصيل ومن جوانب أخري .. فهي أصبحت أزمة العالم الحالية ؛ فمحافظة الأسكندرية بالعاصمة المصرية أصبحت مهددة بالغرق التام ، وأما أزمة الغذاء فيوجد بها العديد من النقاط الهامة على رأسها أخذ الوقود الحيوي كسلاح لحل تفاقم أزمة الغذاء .. كل هذا وأكثر سوف نستعرضه معنا لنكمل الملف الشامل لتغير المناخ الذي بدأنا فيه ولم ينتهي بعد بل بدأ.
<<< للموضوع بقية >>> الجزء الثالث