ترتفع بعض الأصوات في كثير من المناسبات التي تنادي بعودة المرأة إلى البيت انطلاقًا مع أن المرأة لم تنل من خروجها للعمل إلا التعب والإرهاق، وأنها لم تتقدَّم في عملها، ولم تُسْعِد بيتها لأنها تقوم بدور مضاعف أكبر من طاقاتها، وأن الأولاد والزوج والأسرة ضاعوا في الطريق بين العمل والبيت، وفي هذا الصدد تشير الإستطلاعات في الدول المتقدمة والنامية على السواء إلى أن حوالي 77% من النساء يفضِّلن البقاء في المنزل وعدم العمل إذا ما توفرت لهن الإمكانيات المادية، بسبب الضغوط الشديدة التي تتعرض لها المرأة في عملها وفي منزلها، وفي الغالب الأعم تواجه المرأة العربية مأزقًا شديدًا بإبخاس قيمة عملها ومساهمتها في عملية التنمية، وعدم تقييم تلك المساهمة اقتصادياً، والواقع أن عدم تقييم معظم عمل المرأة العربية يفقدها تقريبًا كيانها في معظم المعاملات الإقتصادية، وفي دراسة لمنظمة الأسكوا (المنظمة العربية للعلوم والتكنولوجيا)؛ حول عمل المرأة تبيَّن أن نسبة كبيرة من النساء يعملن في القطاع غير الرسمي (غير المُسَجَّل) المُوَلِّد للدخل مثل الإنتاج المنزلي (حياكة الملابس - المصنوعات اليدوية المنتجات الغذائية… إلخ)، كما أن 80% منهن ينتمين إلى الطبقات ذات الدخل المنخفض والتي ترتفع فيها نسبة الأمية.
أما على الجانب الأخر نجد أن المرأة العاملة وبالأخص الشابات المتخرجات حديثاً لسوق العمل يجدن صعوبة وتميز في الحصول على العمل لصالح الشباب وهذا ما بينتة الإحصائيات والأرقام التي سنستعرضها معاً خلال التحقيق الذي أعدتة الزميلة ( إلهام محمد علي ) عن الواقع الذي تعايشة المرأة في سوق العمل وهو كالتالي :
البطالة في البلدان العربية وإن كانت تؤثر في الشباب بشكل عام ، فإن الإناث هنّ الأكثر تضرراً ؛ فمعدلات البطالة بين الشبّان العرب تعد من المعدلات العليا في العالم أجمع .
وتظهر بيانات منظمة العمل العربية للعام 2005 م أن معدل البطالة في أوساط الشبّان يقارب 25 % من القوى العاملة من الذكور بينما يصل المعّدل بالنسبة إلى الشابّات إلى 31.2 % من القوى العاملة من الإناث.
ويصل معدل البطالة بين الشابّات العربيّات حدّه الأعلى في الأردن بنحو 59 % ( مقارنة بنحو 35 % للشبّان) والحد الأدنى في الإمارات الذي يقّدر بنحو5.7% ( مقارنة بنحو 6.4 % للشبّان ) .
غير أن ثمة عدداً قليلاً من الإستثناءات يكون فيها معدل البطالة بين الشابات أقل منه بين الشبّان ؛ فوفقاً لبيانات منظمة العمل العربية تشمل هذه الإستثناءات كلا من البحرين (المعدل للشابات 18 % ؛ وللشبّان 28%) ؛ وتونس ( 20 % مقابل 29% )؛ وموريتانيا ( 41 % مقابل 49 % )؛ واليمن حيث يتساوى المعدلان للجنسين ( 14 % لكليهما ).
المرأة تتحدى الصعوبات من أجل البقاء
يظهر واقع التمييز ضد المرأة في سوق العمل واضحاً من خلال المصاعب الجمّة التي تواجه الشابات والمتعلّمات في هذا المجال ، ومن خلال تركّز نسبة عالية من النساء في القطاع الزراعي المتدنّي الأجور،
وفي وظائف من دون ضمان إجتماعي أو أية فوائد إضافية .
الواقع أن المنطقة العربية هي المنطقة الوحيدة في العالم التي تزايدت فيها أعداد النساء العاملات في القطاع
الزراعيّ : وتفيد منظمة العمل الدولية بأن هذة الأعداد ازدادت بنسبة بسيطة في الفترة ما بين العامين 1997 و 2007 من 31.2 % إلى 32.6 % في بلدان المغرب العربي ، ومن 28.4 % إلى 31 % في بلدان المشرق العربي ، بينما هبطت نسبة الإستخدام في الصناعة من 19.1 % إلى 15.2 % في المغرب ، ومن 20.0 % إلى 18.8 % في المشرق .
وتؤكد معدلات البطالة بين النساء ما هو أبعد من إخفاق الإقتصادات العربية عموماً في إيجاد فرص عمل جديدة فهي تشير إلى منظومة من التحيّزات الإجتماعية المتأصلة ضد توظيف النساء .
سعي للحصول على لقمة العيش
إن مستويات البطالة ، وهي مدعاة للقلق بحد ذاتها ، ربما لا تعطي صورةً كاملة ً عن جّدية هذة المشكلة في البلدان التي قد يلجأ فيها المواطنون إلى أية وسيلة للحصول على لقمة العيش عندما لا يستطيعون العثور على عمل دائم ؛ ولهذا السبب فإن تعريفات البطالة التي تنطبق على العالم النامي قد لا تنطبق على البلدان العربية ؛حيث تكفي بضع ساعات من العمل في الأسبوع لشطب أسم الشخص من سجل العاطلين عن العمل .
من هنا، فإن من المفيد عند دراسة أوضاع العمالة غير المستقرة في المنطقة أن تؤخذ بالحسبان البيانات، برغم قلتها عن نسبة وحجم العمالة في القطاع غير النظامي ، حيث يفتقر العاملون إلى عقود الإستخدام والفوائد المتأتية من العمل .
وتشير أحدث الأرقام المتاحة لدي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن في تونس والجزائر ومصر والمغرب
يضم قطاعاً عريضاً من العمالة غير النظامية ما بين 40 و50 % من العمالة غير الزراعية ؛ أكثرية العاملين في هذا القطاع هم من النساء في مصر والمغرب ، ومن الرجال في تونس والجزائر وسوريا.
تفسر إتجاهات العمالة المتدنية في البلدان العربية استناداً إلى ثلاثة عوامل أساسية :
أولا: الإنكماش الذي أصاب القطاع العام الواسع الذي يستخدم أكثر من ثلث القوى العاملة في ظل الإصلاحات الهيكلية.
ثانياً: صغر حجم القطاع الخاص وتواضع أدائة وضعف قدراتة على خلق فرص العمل .
ثالثاً: نوعية وأشكال التعليم الشائع الذي لا يركز عموماً على المهارات التقنية والمهنية المطلوبة .
وفي هذا السياق يكتسب إيجاد الوظائف خصوصاً للشباب ، أهية قصوى في تلك البلدان ، وتحديداً متى أخذنا بعين الإعتبار أن البطالة المقنعة تعمق من هذا التحدي إلى حد كبير ؛ وقلما يكون الإنتقال من المدرسة إلى سوق العمل أمراً يسيراً نتيجة لنقص الوظائف وعدم المواءمة بين المهارات التي اكتسبها الخريجون ومتطلبات سوق العمل .
ومن نتائج ذلك أن نحو 40 % من خريجي المدارس الثانوية والجامعات ممن هم في الفئة العمرية 15/25 سنة لا يجدون فرصاً في سوق العمل ، ما يفاقم إنتشار البطالة حتى بين المتعلمين .
هل ستستلم..؟ نصيب المرأة فى العمل 8.3 %
وداخل ذات الصدد قالت دراسة صادرة عن مركز البحوث والدراسات الإقتصادية في مصر التابع لكلية الإقتصاد والعلوم السياسية" إن نصيب المرأة فى العمل بالقطاع العام تناقص من 13% إلى 8.3% بعد الخصخصة، بينما ظلت النسبة ثابتة بالنسبة للرجال".
وذكرت الدراسة أن لجنة البت فى قرارات إغلاق المنشآت الإقتصادية وافقت على إغلاق 12 حالة، رغم أن إغلاقها يمس بحقوق العمال، فيما بلغ عدد حالات الإغلاق التى وافقت عليها الوزارة ولم تمس العمالة 18 منشأة يديرها أصحابها ولا تستخدم عمالاً.
وقالت الدراسة إن معدل البطالة بين الشباب أكبر من النسبة الحالية والبالغة 9.4%، حيث إن عدم زيادة النسبة على ذلك يعود إلى أن هناك بعض الفئات كالإناث، خاصة المتعلمات، تظل تبحث عن فرصة عمل إلى أن تقرر الخروج من سوق العمل والإستسلام للأمر الواقع، كذلك فإن هناك عدداً كبيراً من فرص العمل المتاحة لكنها جميعها ضعيفة وهامشية ومنخفضة الأجر.
وأضافت الدراسة أن هناك مشكلتين أساسيتين بالنسبة لسوق العمل أولاهما وجود توترات فى بعض الأماكن مثل المدن الصناعية، وثانيتهما أن جزءاً كبيراً من العمالة الموجودة فى مصر عمالة غير مغطاة بالتأمينات الإجتماعية والصحية.
بقعة ضوء.. مصر تسعى لتمكين المرأة إقتصادياً
فبالرغم من تناقص أعداد النساء في سوق العمل إلا أن وزارة القوى العاملة والهجرة المصرية تستعد خلال الفترة المقبلة، لتنفيذ مشروع جديد للتمكين الإقتصادى للمرأة، وزيادة نسبة مساهماتها فى سوق العمل، سواء فى التشغيل بأجر أو التمكين من إقامة مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر.
وصرحت الوزيرة السيدة عائشة عبد الهادى بأن المشروع الجديد سيتم تنفيذه بالتعاون مع هيئة اليونفيم (البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة الخاص بالمرأة ) والتى أعتبرت المشروع المقدم من الوزارة واحدا من أفضل المشاريع التى تقدمت بهم أكثر من 127 دولة من جميع أنحاء العالم، الأمر الذى يعكس التقدير والثقة فى رؤى ومقترحات مصر فى مجال التشغيل وتمكين المرأة العاملة .
كما أن المشروع الجديد سيتم تنفيذه بمدينة الصالحية الجديدة، وذلك نظرا لارتفاع معدلات البطالة بين الإناث هناك، ولكونها منطقة مترامية الأطراف وتخدم أكثر من محافظة، مشيرة إلى أنه سيتم تعميم التجربة فيما بعد على مستوى مدن ومحافظات أخرى، وبما يساهم فى مضاعفة وتحقيق الأمان الاقتصادى للمرأة تنفيذا لتوجيهات السيد الرئيس محمد حسنى مبارك وسيدة مصر الأولى السيدة سوزان مبارك، وبالتنسيق مع وزارة الاستثمار، ولجنة المرأة بأمانة السياسات بالحزب الوطنى الديمقراطى .
وأوضحت السيدة عائشة عبد الهادى أنه تم بالفعل خلال الفترة السابقة الانتهاء من إجراءات كافة الدراسات الخاصة بأوضاع سوق العمل بمدينة الصالحية الجديدة، وأن الفترة المقبلة ستشهد تنظيم برامج تدريبية متقدمة تستفيد منها المرأة العاملة بالمدينة، بهدف تنمية مهارات التشغيل الذاتى لديها، وإكسابها خبرات الدخول لسوق العمل كمنتجة ومستثمرة وعاملة لدى الغير، والقضاء على معوقات التشغيل التى تواجهها .
المرأة تتربع على عرش العمل بالزراعة
وتشير الأرقام إلى أن مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي في العالم تختلف من منطقة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى، حيث تعمل المرأة حوالي 44% من إجمالي ساعات العمل في إفريقيا عمومًا، وذلك راجع لعملها الرئيسي في الزراعة والخدمات، كما أن المرأة في إفريقيا لا تسهم سوى بنسبة 17% من إجمالي ساعات العمل في الصناعة، أما في أمريكا اللاتينية فإن مساهمة المرأة أقلّ كثيرًا حيث لا تتجاوز نسبة 28% من إجمالي ساعات العمل، وأن أكبر مساهمة لها في قطاع الخدمات، أما في آسيا فإن المرأة تسهم بحوالي 36% من مجموع ساعات العمل، وتتساوى مساهمتها في الصناعة والخدمات والزراعة مع مساهمة الرجل.
أما في الوطن العربي فإن الأرقام تشير إلى أن المساهمة الاقتصادية للمرأة العربية لاتزال منخفضة مقارنة ببقية مناطق العالم، حيث تبلغ مساهمة المرأة العربية في ساعات العمل في المتوسط حوالي 20%، وإن كانت هذه البيانات لا تعكس المدى الحقيقي لمشاركة المرأة العربية في النشاط الإقتصادي، وذلك لسببين أساسيين هما:
1.أثبتت الدراسات التي أجريت لمعرفة مدى مساهمة المرأة العربية في النشاط الاقتصادي أن حوالي 60% من إجمالي الأيدي العاملة النسائية في الريف العربي يعملن في الزراعة لحساب أسرهن العربية بدون أجر، وأن هذه النسبة ترتفع في دول مثل المغرب لتصل إلى 84%، وفي تونس إلى 74%، أما في سوريا فإن ما يقرب من 40% من النساء العاملات في القطاعين الريفي والحضري عاملات بدون أجر مباشر.
2. الأمر الأخرأن طبيعة عمل المرأة في الدول النامية عامة وفي الدول العربية خاصة تختلف عنها في البلدان الصناعية، والتي تتوفر لدى المرأة فيها الأجهزة التي تسهل عليها الأعمال الشاقة، وأيضًا يمكنها شراء سلع إستهلاكية وخدمات تتضمن بالفعل الكثير من مراحل الإعداد السابقة التي يتعين على المرأة العربية أن تؤدِّيها بنفسها فيما يعرف بالتصنيع المنزلي والصناعات اليدوية؛ ولذلك تشير دراسة أكاديمية أجريت بالتعاون مع جامعة الدول العربية أن معدَّل مشاركة المرأة العربية في الأنشطة الاقتصادية " وخاصة في الريف"تصل إلى حوالي 70% إذا أُخِذَ في الحسبان كل الأعمال التي تقوم بها المرأة العربية سواء بأجر مباشر أو بأجر غير مباشر يذهب لصالح الأسرة كلها.
مجمل الكلام : فالبطالة تؤرق الشابات أيضاً .. إلى جانب أنها تلعب دورا في جانب التمييز داخل المجتعات من حيث فرص العمل وأجورها ،والذي يتمثل في تدني الأجور .. وعلى ذات السياق .. فالمرأة يتركز أعمالها على مجالات معينة كالزراعة في جنوب أفريقيا .. وغيرها من بلادان العالم التي هضمت المرأة وجعلت البطالة من نصيبها .. وهي الدافع الرئيسي التي جعلت الشباب يتهربون " الهجرة " الغير شرعية والإناث إلى الرضى بأي عمل بسيط وأي مجال غير تخصصها كي تحصل على لقمة عيش حتى وإن كانت غير مضمونة .
الموضوع السابق :
شبح البطالة يهدد المجتمعات العربية