عربي ودولي نُشر

محادثات منظمة التجارة العالمية سقطت ولن تقوم

Imageبعد إخفاق نحو 40 وزيراً فى إنقاذ مباحثات منظمة التجارة العالمية المتعثرة، اتهمت الصين الدول الغنية "بالأنانية" فيما طالبت اليابان كلا من الصين والهند بدور أكبر. فى حين وصف وزير الزراعة الألمانى المفاوضات بأنها بلغت "الحد المؤلم". تعددت الاتهامات والاسباب ولكن النتيجة واحدة وهى فشل كبير حدث ولن يتم تصحيحه فى ظل الظروف الحالية. فقد استخلصت الدول النامية من الارتفاع الشديد فى أسعار المواد الغذائية أن أمنها الغذائى لا يعتمد فى الواقع على الواردات الرخيصة وإنما على تعزيز قدرتها على إطعام شعوبها. وتشير التكهنات إلى أن مؤيدى عولمة الشركات يأسفون لانهيار مفاوضات منظمة التجارة العالمية. وقد ذكر مفوض الاتحاد الأوروبي، بيتر مانديلسون، قائلا: "إنه لفشل ذريع وانتكاسة للاقتصاد العالمى فى وقت نحتاج فيه بحق إلى أخبار سعيدة". فقد دعت المفوضية الأوروبية إلى بذل جهود جديدة من أجل كسر سنوات طويلة من الجمود. وقال رئيس المفوضية خوسيه مانويل باروسو إن الاتحاد الأوروبى عمل من أجل التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يراعى مصالح جميع الأطراف. وأضاف باروسو فى بيان: "لقد قمنا بالفعل بعمل كل ما يمكننا عمله من أجل تقريب وجهات النظر والتوصل إلى حل وسط". ومن جانبه حث بيتر ماندلسون المفوض التجارى للاتحاد الأوروبى منظمة التجارة العالمية الأربعاء الماضى على تجديد المحادثات التجارية فى وقت لاحق من العام الجارى فى أعقاب انهيارها هذا الأسبوع. وقال ماندلسون أمام لجنة التفاوض التجارى بالمنظمة أن الاقتصاد العالمى فقد "وثيقة تأمين" هو فى أشد الحاجة إليها بانهيار المفاوضات المطولة التى كانت ترمى لتحرير التجارة العالمية. ويقول المتحمسون لعولمة الشركات: أن الأنكى من ذلك أن فشل المحادثات سيؤثر بالسلب على العالم النامي. رغم كل ذلك فقد أطلق على المفاوضات جولة تنمية الدوحة. وأعرب توم دونوهيو- رئيس الغرفة التجارية الأمريكية- عن أسفه قائلا: "يحمل فشل هذه المحادثات أنباء سيئة للمؤسسات العالمية والعمال والمزارعين والأهم من ذلك الفقراء". ولكن لا تذرفوا الدموع على المنتفعين الوهميين من محادثات منظمة التجارة العالمية. فإن تم تطبيق قواعد المصارحة فى الإعلان لكان من الأولى تسمية المفوضات بدورة الدوحة المناهضة للتنمية. فهذا الجانب الإيجابى المزعوم للصفقة فى صالح الدول النامية ـ وهو زيادة ولوجها إلى أسواق الدول الغنية ـ لن تكون له سوى فوائد هزيلة، طبقا للبنك الدولى نفسه. وتشير هيئة بحث ومعلومات الدول النامية أن التحليلات البنكية أظهرت نجاح دورة الدوحة للتنمية؛ فبحلول العام 2015، سيزيد دخل الدول النامية ليصل فى مجموعه إلى 16 مليار دولار أمريكى فى العام أى أقل من بنس يوميا لكل شخص فى الدول النامية. وتشمل أيضا دراسة البنك الدولى افتراضات مريبة عديدة، بدونها ستكون الدول النامية خاسرة تماما فى النهاية. وأحد هذه الافتراضات غير الواقعية أن الحكومات تستطيع تعويض عائدات التعريفة المفقودة من خلال أشكال أخرى من الضرائب. وثمة افتراض آخر يقول أن الدول النامية تستطيع أن تواجه الاندفاعات الشديدة نحو الاستيراد عن طريق تخفيض قيمة عملاتها وزيادة الصادرات. ومهما كان الأمر، فالنقطة المهمة هى أنه كان هناك القليل جدا لتكسبه الدول النامية. وفى المقابل كانت ستخسر الكثير. وقد وعدت الدول الغنية الدول الفقيرة أنها ستستفيد من تخفيض التعريفات والإعانات المالية الحكومية الزراعية بالدول الغنية. ومن بين الدول النامية، تركزت هذه المكاسب بشكل محدود بين الأرجنتين والبرازيل وقليل من الدول الأخرى الزراعية المعتمدة على الميكنة الحديثة. استخلصت الدول النامية من الارتفاع الشديد فى أسعار المواد الغذائية أن أمنهم الغذائى لا يعتمد فى الواقع على الواردات الرخيصة وإنما على تعزيز قدرتها على إطعام شعوبها. وكانت قوانين جولة الدوحة لتقوض من هذه القدرة بشكل أكبر. ويوضح أنورادها ميتال، خبير الغذاء بمعهد أوكلاند، الأمر: " فتح الأسواق وإلغاء التعريفات وانحسار دور الدولة فى الزراعة قد حول الدول النامية من مصدرين خالصين للغذاء إلى مستوردين خاصين للغذاء وأثقل كاهلهم بفواتير استيراد باهظة التكاليف. وهذه العملية التى تترك الفقراء معتمدين على أسواق عالمية غير جديرة بالثقة ومتقلبة ليحصلوا منها على احتياجاتهم من الغذاء قد قطعت أرزاق الملايين ووضعت ما يقرب من نصف سكان العالم على حافة المجاعات والموت جوعا". وقد نقلت حركات المزارعين على مستوى العالم هذه الرسالة إلى المفاوضين الحكوميين ورفض المفاوضون الانصياع إلى الطلبات الملحة للدول الغنية بالنيابة عن الشركات العالمية المتاجرة فى السلع الزراعية. ويوضح كمال ناث- وزير التجارة والصناعة الهندي- أنه كان من المفترض أن تحمل جولة الدوحة للتنمية مكاسب للدول النامية- ولاسيما فى مجال الزراعة- وليس أن تستخلص منهم تنازلات. ولعل أدعى سبب لانهيار المفاوضات هو طلب الدول النامية أن يكون بين يديها أدوات فعالة لتحمى أنفسها من الاندفاعات العنيفة نحو الواردات الزراعية. فرفضت الدول الغنية تماما هذا الطلب المتواضع. وكانت الزراعة هى المجال الذى كانت الدول النامية لتستفيد منه. وكان من المفترض أن يكون لب الصفقة أن تعمل الدول الغنية على تخفيض حواجز السوق عن الصادرات الغذائية للدول النامية، وأن تنفتح الدول النامية بشكل أكبر على التصنيع فى الدول الغنية وواردات الخدمات والاستثمار. ويذكر "ها- جون تشانج"، أستاذ الاقتصاد بجامعة كمبريدج ومؤلف كتابي: “Bad Samaritans: The Myth of Free Trade and the Secret History of Capitalism” أن "مثل هذه الاتفاقية قائمة فى الأساس على أن تظل الدول النامية زراعية إلى الأبد. ولكى تحصل الدول النامية على الامتيازات الزراعية، عليها أن تلغى تعريفاتها الصناعية وغيرها من الوسائل التى تدفع عملية التصنيع. أى أنه من المفترض أن تفقد الدول النامية الأدوات التى استخدمتها كل دولة صناعية "والمصدرون الأسيويون الصناعيون الناجحون" لخلق قدرتها الصناعية". وتقول "ديبورا جامس"، مديرة البرامج العالمية بمركز أبحاث الاقتصاد والسياسة بواشنطن دى سي: "موجز القول أنها كانت صفقة خاسرة للدول النامية على كافة الأصعدة. فالتخفيضات فى التعريفات المطلوبة من الدول النامية كانت لتتسبب فى فقدان عدد كبير من الأشخاص لوظائفهم وستفقد الدول قدرتها على حماية المزارعين من إغراق السوق بالبضائع وستخلف أيضا الملايين على حافة الفقر". والجدير بالذكر، ليس الأمر صراعا بين الشمال والجنوب مثلا؛ الأغنياء فى مقابل الفقراء. فعلى الرغم من أنه كانت هناك فجوات متعددة فى مفاوضات الدوحة، فإن أفضل طريقة لفهم ما يجرى على أرض الواقع هى أن حكومات الدول الغنية تحاول أن تسيطر على أجندة الأعمال لتقدم سلفا فوائد على مستوى المؤسسات، وليس فوائدا تعود على شعوبها. ولهذا السبب كان هناك دعما شعبيا ضئيلا للأجندة التجارية بالدوحة، فى كل من الدول الغنية والفقيرة. وتقول "لورى والاش" من منظمة الرقابة على التجارة العالمية التابعة لمنظمة المواطن العام أن: " والآن فقد رفض مرة أخرى توسع منظمة التجارة العالمية فى هذا الإجتماع المصيري، وسيتم سؤال المسئولين المنتخبين ومؤيديهم فى الحملات الانتخابية حول العالم ـ بما فى ذلك مرشحى الرئاسة بالولايات المتحدة ـ عما يعتزمون أن يقوموا به لاستبدال نموذج منظمة التجارة العالمية الذى قد أخفق ونسخته من عولمة الشركات بشيء يفيد غالبية الشعوب على مستوى العالم أجمع." * رئيس تحرير المجلة الامريكية "مالتينشونال منيتر" ومدير مركز "اسنشل اكشن". (العرب اونلاين)

 

مواضيع ذات صلة :