آراء وأقلام نُشر

التفاؤل والعزم

Image

بقلم / الملك عبد الله بن عبد العزيز

تُعقد قمة مجموعة العشرين في وقت تتفاقم فيه الأزمة المالية العالمية، وتتحول إلى ركود اقتصادي عالمي، وذلك تزامنا مع تراجع التجارة الدولية، والتوقف الفعلي لتدفق الأموال عبر الحدود. وينظر العالم بترقب إلى هذه القمة وينتظر النتائج التي سوف تتمخض عنها،
فيما يتعلق بالالتزام بالعمل، والتعاون من خلال تبني إجراءات عملية لمعالجة تداعيات ومسببات الأزمة الراهنة. وخلال اجتماعنا في العاصمة واشنطن، تبنينا خطة عمل مفصّلة لما يتحتم علينا القيام به لمواجهة تلك الأزمة المالية. ونود الإعراب عن تقديرنا للإجراءات التي تم اتخاذها لتطبيق هذه الخطة، والتأكيد على أهمية تنفيذها من خلال تبني مجموعة العشرين لإجراءات قوية تتسم بالتنسيق لتحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز الرقابة على جميع المؤسسات المالية ـ لا سيما المؤسسات التي تُعرّض ممارساتُها النظام المالي إلى الخطر ـ
وتعزيز التعاون والتنسيق بين الهيئات التنظيمية. ومع ذلك، يشير تفاقم الأزمة إلى أن الإجراءات التي تم اتخاذها لم تكن كافية، وأنه ما زالت ثمة حاجة إلى إصلاح جدير بالثقة للقطاعات المالية في الدول المتضررة. ويعد ذلك مطلبا أساسيا لأي سياسات تستهدف دفع النمو الاقتصادي وبناء أساسات راسخة للنظام المالي الدولي، تهدف إلى منع وقوع أزمات شبيهة في المستقبل،
والوقوف أمام النزعات الحمائية التي بدأت تظهر أخيرا. وهناك مطلب أساسي، وهو أن نعيد ـ خلال اجتماعنا المقبل ـ التأكيد على التزام كافة الدول، لا سيما التي لحق بها أكبر ضرر بسبب الأزمة، وذلك من خلال اتخاذ إجراءات أوسع لتحفيز الطلب وخلق فرص العمل والتعامل مع المشاكل التي يواجهها القطاع المالي.
وسيعتمد النجاح على مقدار التنسيق بين الإجراءات لتوفير محفزات نقدية ومالية، وإصلاح القطاعات المالية وتنظيم الأسواق. كما أنه من المهم التأكيد على التزامنا بالتجارة الحرة والاستثمار ووقوفنا ضد أي خطوات نحو الحمائية.
 كما يتعين علينا تجديد التزامنا بمساعدة الدول النامية، للتغلب على الآثار السلبية التي تسببت فيها الأزمة. فالأوضاع في هذه البلاد تتدهور وتزداد حاجتها إلى المساعدة. وسوف تستمر المملكة في تقديم المساعدات للدول النامية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ومع أن المملكة تعد دولة نامية،
 فإن المساعدات التي تقدمها قد تجاوزت مستهدف الأمم المتحدة بالنسبة للدول المتقدمة، وهو ما يبلغ 0.7 في المائة من إجمالي الناتج القومي، لصالح المساعدات التنموية الحكومية. وسوف تستمر المملكة العربية السعودية في تبني سياسات اقتصادية لضمان نمو اقتصادها وخلق فرص العمل والوفاء بمتطلبات دورها البنّاء في الاقتصاد العالمي. وفي إطار السياسة النقدية، تتخذ المملكة إجراءات من شأنها تعزيز الثقة والحد من آثار الأزمة على القطاع المالي السعودي.
وقد وفرت المملكة الأموال اللازمة لإتاحة السيولة وضمان الودائع. وسوف نستمر في تبني السياسات واتخاذ الإجراءات الضرورية لضمان السيولة في النظام المالي، بما في ذلك زيادة مشاركة المؤسسات المالية الحكومية في توفير التمويل.
وحسب ما تفيد تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن حزمة المحفزات التي تبنتها المملكة تعد الأكبر، على ضوء حجم اقتصادها، بين الدول الأعضاء في مجموعة العشرين.
وسوف تستمر المملكة في لعب دورها من أجل تحقيق الاستقرار داخل أسواق النفط. لقد كان للأزمة المالية الحالية أثر سلبي على الطلب العالمي على النفط والتوقعات بخصوص الطلب المستقبلي.
 وعلى الرغم من الأثر السلبي، فإن المملكة تستمر في مباشرة برنامجها الاستثماري الضخم لزيادة قدراتها الإنتاجية بسبب حرصها الدؤوب على تحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية وقناعتها بأن ذلك يخدم مصالحها ومصالح الاقتصاد العالمي. وندعو الدول المستهلكة إلى التعاون معنا في هذا الصدد وتعزيز الحوار بين الدول المنتجة والمستهلكة لخدمة المصالح المشتركة وعدم استهداف النفط بسياسات تؤثر عليه سلبا. وفي هذا الإطار، فإن المملكة قد بادرت, بالتعاون مع عدد من الدول الصديقة واعتمادا على رغبتها في تعزيز الحوار، إلى تأسيس الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي في الرياض.
ولا شك أن المنطقة العربية ليست بمنأى عن هذه الأزمة العالمية وتبعاتها، ونحن نعمل عن قرب مع أشقائنا في العالم العربي، لتخفيف آثارها السلبية على منطقتنا. ويتضمن ذلك زيادة دور المؤسسات المالية العربية في مساعدة الدول المتضررة. بيد أنه دون سلام شامل وعادل في المنطقة، فإنه لا معنى للكلام عن استقرار المنطقة ونموها الاقتصادي،
ولن يتم تحقيق التنمية كذلك. وللوصول إلى السلام ـ ذلك الهدف السامي ـ قدمت الدول العربية مبادرة شاملة متوازنة، هي مبادرة السلام العربية، منذ عام 2002. وقد أضاع رفض إسرائيل للمبادرة فرصة كبرى لتحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة. كما أننا نحثّ المجتمع الدولي على الاضطلاع بمسؤولياته إزاء تحقيق السلام الشامل والعادل الذي طال انتظاره، والاستفادة من المبادرة المقترحة، التي لن تظل مطروحة على الطاولة إلى الأبد.
ويحدونا تفاؤل بأنه بإصرارنا الواضح والقوي على تبني السياسات والإجراءات الضرورية والمناسبة لتجاوز الأزمة الراهنة، فإن الاقتصاد العالمي سوف يتمكن من التغلب على الأزمة والعودة إلى مسار النمو والاستقرار. وعلينا جميعا أن نتعلم من هذه التجربة وأن نعالج أسبابها الجذرية بطريقة شاملة لتجنب تكرارها.

المصدر: الشرق الاوسط
* نشر هذا المقال في مجلة «فيرست» المتخصصة البريطانية، في العدد الخاص بمناسبة قمة الـ 20، مع مقالات لزعماء الدول الأخرى.


 

مواضيع ذات صلة :