اقتصاد يمني نُشر

خدمات التمويل الأصغر في اليمن.. الحاجة الماسة للبلد الفقير

يعني التمويل الأصغر بتوفير فرص لأصحاب المنشآت الصغيرة والأصغر للحصول على تمويلات تساعدهم على إقامة أنشطة مدرة للدخل أو توسيع القائم منها بغرض زيادة دخلهم وخلق فرص عمل جديدة وتنشيط حركة السوق من خلال تدوير الأموال وهو بذلك يعتبر من أفضل الطرق المتبعة والمجربة عالمياً في التخفيف من الفقر وتحسين مستوى المعيشة وأصبح محل إجماع من قبل الهيئات والمنظمات الدولية العاملة في مجال التنمية.

لقد كانت بداية التمويل الأصغر في اليمن من خلال برنامج “ البداية” التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في منتصف تسعينات القرن العشرين الذي تحول لمنظمة غير حكومية تحت إشراف الصندوق الاجتماعي للتنمية ويمكن القول بأن العام 1997 يعتبر ميلاد صناعة التمويل الأصغر في اليمن الذي بدأ يُمارس وبشكل منظم وبغطاء حكومي ودعم دولي من خلال وحدة تنمية المنشآت الصغيرة المنبثقة عن الصندوق الاجتماعي للتنمية، هذا الصندوق أسس من أجل التخفيف من الآثار الجانبية لبرامج الإصلاح الاقتصادي والتصحيح الهيكلي التي فرضت على اليمن من البنك وصندوق النقد الدوليين،هدفت الوحدة إلى تأسيس برامج ومؤسسات تمويل أصغر وتقديم الدعم المالي والفني لها وتشجيع أي مبادرة تستهدف خدمة فئات أصحاب المشاريع الصغيرة والصغرى الباحثين عن تمويلات لتنمية وتطوير مشاريعهم بهدف خلق فرص عمل والمساهمة في تخفيض معدلات الفقر في البلد، وقد أصبح الصندوق الاجتماعي للتنمية ممثلا بالوحدة المظلة التي يعمل تحتها مؤسسات وبرامج التمويل الأصغر في اليمن التي وصلت حتى 2011 الى 12 برنامجا ومؤسسة وبنكا.

شكّل عدم انتشار ثقافة الاقتراض وقلّة خبرة الجهات الكفيلة لتلك البرامج وقلة المؤهلين القادرين على إدارتها ونقص الوعي بأهمية دور برامج التمويل من قبل المجتمع مشاكل ومعوقات واجهت مؤسسات التمويل الأصغر في  إرساء دعائم الصناعة في مراحلها الأولى، إلا أ ن إصرار القائمين على هذه الصناعة كان أكبر من كل تلك الصعاب التي واجهوها.

بعد ذلك مرت هذه الصناعة بعدد من التحولات والتطورات منذ بداية إنشائها وحتى وقتنا الحاضر  حيث  أخذت على عاتقها الارتقاء بهذه الصناعة الوليدة والسعي من خلالها إلى خدمة المجتمع ومحاربة الفقر والبطالة، وتعتبر بلادنا في حاجة ماسة لخدمات هذه المؤسسات نظراً لأن هناك 25 مليون نسمة و32.8% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وهناك 17 بنكاً، و195 فرعا، في المناطق الحضرية، و4.2 % نسبة المتعاملين مع البنوك من عدد السكان، وهناك مليون شخص عدد أصحاب المشاريع الصغيرة الذين يحتاجون خدمات مالية وغير مستهدفين من البنوك.

وقد حقّق التمويل الأصغر في اليمن نتائج ملموسة منذ العام 1997 وحتى 2011 وشهد حالات من المد والجزر خلال هذه الفترة، إذ تمكّن القطاع من توزيع ما يزيد عن 445 ألف تمويل بإجمالي مبلغ يزيد عن 150 مليون دولار وتوفير والحفاظ على ما يقارب من360 ألف فرصة عمل للفترة ما بين العام 1997 و 2011 م، ورغم كل ذلك فلا يزال القطاع حديث عهد ويواجه تحديات صعبة وتأثيره محدود مقارنة بالتمويل الأصغر في معظم دول العالم ـ إذ لم يتمكّن حتى اليوم من تغطية سوى 4% من إجمالي الطلب المتوفر الذي قدّر بمليون مشروع بحسب دراسة مؤسسة التمويل الدولية في العام 2007.

وفي العام 2009 بدأ القطاع يشهد مرحلة جديدة من التقدم بدخول لاعب جديد في الصناعة وهو بنك الأمل للتمويل الأصغر الذي يعتبر أول مؤسسة تعمل في التمويل الأصغر في اليمن على شكل بنك مرخّص من البنك المركزي اليمني، إذ بدأ بنك الأمل بتحقيق أرقام إيجابية ساعدت كثيرا أرقام الصناعة في اليمن، وقد تمكن البنك في غضون ثلاث سنوات من الاستحواذ على 25% من الصناعة ليكون بذلك أكبر مؤسسة تمويل أصغر في اليمن الأمرالذي جعل اليمن تتمركز في الترتيب 27 في قطاع التمويل الأصغر على مستوى العالم في العام 2010 بحسب تقرير الإكونوميست.

كما شهد العام 2010م دخول مؤسسة مصرفيه أخرى إلى قطاع التمويل الأصغر في البلاد تمثلت في مصرف الكريمي للتمويل الأصغر الذي تحول من مؤسسة مصرفية إلى مصرف للتمويل الأصغر يسعى لتقديم خدمات مالية متنوّعة ومتميّزة بما فيها الادّخار وتمويل المشاريع الإنتاجية الصغرى والصغيرة بما يوافق أحكام الشريعة الإسلامية.

وفي العام 2011 والذي وصف بأنه عام الثورات العربية كما أطلق عليها مصطلح (ثورات الربيع العربي) كانت اليمن جزءا منها، إذ مرّ هذا العام على اليمن صعباً بكل المقاييس بحسب خبراء ومحللين،إذ ألقت الأزمة التي تطورت إلى صراع مسلح بظلالها على كافة القطاعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وشهدت اليمن خلال هذه الأزمة تدهورا اقتصاديا كبيرا بسبب تجميد الاستثمارات التجارية، مغادرة الاستثمارات الأجنبية، ركود وتضحم حاد في آن واحد، إفلاس وإغلاق عدد كبير من المحلات التجارية وتعرضها للسلب والنهب، تسريح مئات الآلاف من العاملين، توقف تام للخدمات الأساسية (الكهرباء والمياه)وارتفاع في أسعار الوقود أ و انعدامها، وقد أوشكت اليمن لأن تكون على مشارف الانهيار الاقتصادي التام.

ولأن التمويل الأصغر في اليمن يعتبر مكوناً رئيسياً لهيكل الاقتصاد الوطني فقد تأثر بالأزمة التي شهدها البلد شأنه شأن القطاعات الأخرى بل يكاد يكون أكثر المتأثرين لأسباب عددية منها أن ثقافة التمويل الأصغر في اليمن لازالت حديثة عهد ولم تتعزز مفاهيم التمويل الأصغر في المجتمع بشكل قوي بعد، ضعف البنية التحتية لمؤسسات التمويل الأصغر، تعرض عدد كبير من المشاريع التي مولتها مؤسسات التمويل الأصغر إلى الإغلاق والتجميد وتعرض عدد منها للسلب والنهب في المناطق التي تعمل بها هذه المؤسسات، كل هذه الوقائع حالت دون سداد المقترضين لأقساطهم وبالتالي ارتفاع نسب المتأخرات الى مستويات غير مألوفة في القطاع، كما توقفت معظم مؤسسات التمويل الأصغر عن الإقراض باستثناء البعض منها.

وبسبب التجاذبات السياسية الخطيرة بين أطراف الصراع وطول فترة الازمة التي أحدثت شللاُ كاملا في مفاصل الاقتصاد وتعرض أكبر خمس محافظات يمنية التي تشكل 65% من سكان اليمن ومايقارب من 90% من حجم مايغطيه التمويل الأصغر في البلد لاحتجاجات واشتباكات مسلحة خلال العام 2011 فقد أدى كل هذا إلى ارتفاع مستويات الخطر في الصناعة إلى حد كبير وأصبحت الصناعة في وضع صعب للغاية حتى أن العام 2011 اعتبر مخاضاً عسيرا لصناعة لطالما راهن عليها خبراء الاقتصاد كثيرا كأداة من أدوات التنمية في البلد.

ويرى المتخصصون في صناعة التمويل الأصغر باليمن، أن هذه الصناعه لا زالت بحاجه إلى إشراك لاعبين جدد في السوق “جهات مانحة، ومقدّمي خدمات التمويل الأصغر، وجهات مقدمة للتدريب والدعم الفني، ومستثمرين من القطاع الخاص”، وإشراك القطاع المصرفي والمساهمة بتقديم خدمات التمويل الأصغر، ودمج برامج التمويل الأصغر لتصبح مؤسّسات مالية كبيرة لمزيد من التوسّع والانتشار، فضلاً عن بناء قاعدة وطنية واسعة من الكوادر المؤهّلة في إدارة خدمات التمويل الأصغر، والتوجّه إلى تقديم الخدمات المالية في الريف بشكل أكبر ومواجهة المخاطر.


صحيفة مال وأعمال العدد (98)


 

مواضيع ذات صلة :