
في هذا التقرير نحاول معرفة أسباب رفع سعر الفائدة على الودائع البنكية وماهي تبعاتها الايجابية والسلبية.. وماهي العلاقة بين ارتفاع سعر الفائدة وارتفاع سعر الدولار بالريال.
يرى مهتمون بالسياسة المالية أن قرارات البنك المركزي في رفع سعر الفائدة على الودائع المدخرة في البنوك بالعملة الوطنية «الريال» جاءت في سياق معالجات تهدف إلى تعزيز قيمة الريال وتشجع على اقتنائه وتعزز روح الثقة في نفوس المتعاملين به كبديلاً عن الدولار.
لكن فريقاً آخر من المنشغلين بالسياسة المالية يقللون من أهمية قرارات البنك المركزي في رفع أسعار الفائدة على الأموال المودعه بالريال في البنوك الأهلية، ويصفونها بأنها قرارات ارتجالية ومعالجات آنية تأتي على شكل ردود أفعال ترقيعية لتراجع العملة الوطنية بشكل متلاحق أمام الدولار، مؤكدين أن تراجع الريال هو نتاج طبيعي لاختلالات كبيرة حادثة في قلب السياسة النقدية والمالية، وأن تعزيز قيمة الريال يستدعي اعادة النظر في مجمل السياسات المالية والنقدية، أما قرارات البنك المركزي ليست أكثر من حلول آنية لاتلامس صلب المشكلة الحقيقية ولا تضع حداً لهذا التراجع المستمر، ويذهب بعض القائلين بهذا الرأي إلى ماهو ابعد من ذلك، إذ يؤكدون أن قرارات البنك المركزي في رفع اسعار الفائدة لم تأتي نتاج دراسات استراتيجية واعية بمكامن الخلل في جوانب السياسة المالية والنقدية بقدر ماهي قرارات عشوائية تفرضها أحداث الضرورة، ويدللون على رأيهم هذا بأن إدارة البنك المركزي اصدرت ثلاثة قرارات متقطعة برفع سعر الفائدة في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر مايعني أن إدارة البنك لاتقدم معالجات واعية بمكامن الخلل المالي. هذا وكان البنك الركزي قد بدأ اعلانه رفع سعر الفائدة في 17 يناير 2010م، من 10 ٪ إلى 12 ٪، واعلن في 28 مارس، رفع سعر الفائدة من 12 ٪ إلى 15 ٪، ولم يتوقف البنك عند هذا المؤشر بل رفعه في مطلع الشهر الجاري من 15 ٪ إلى 20 ٪.
وفي تصريح لمحافظ البنك المركزي أحمد عبدالرحمن السماوي قال فيه: أن البنك يسعى من وراء هذا القرار إلى تشجيع المدخرين بالريال اليمني من خلال رفع سعر الفائدة إلى الحد الذي يجعلها تفوق نسبة التضخم بمقدار كبير، مشيراً إلى أن هذا الاجراء يرفع المردود على أذون الخزانة بما يقارب 3.2 ٪ عن الحد الأدنى البالغ 15 ٪، والزم محافظ البنك كافة البنوك الالتزام بقرار رفع سعر الفائدة على الريال فوق حدها الأدنى المتمثل بـ15 ٪ باستثناء البنوك الاسلامية التي تعمل وفق أدوات مصرفية خاصة بحسب تصريح السماوي لصحيفة رسمية.
ويرجع أحد خبراء المصارف الأهلية قرار المركزي على رفع اسعار الفائدة على ودائع الريال أنه قرار تشجيعي جاء نتيجة تراجع قيمة الريال أمام الدولار، لأن تراجع الريال إلى الحد الذي وصل إليه أصاب المستثمرين والمدخرين بالقلق ودفع العديد منهم إلى تحويل امواله من الريال إلى الدولار تحاشياً لمزيداً من التدهور لقيمة الريال في مواجهة الدولار.
ويضيف الخبير الذي اشترط علينا عدم ذكر اسمه أن هناك مشكلة خطيرة انتجها التراجع الأخير للريال اليمني بالتعاون مع قرار المركزي رفع سعر الفائدة على الريال، والمشكلة بحسب المصدر هي أن عدداً كبيراً من التجار والمستثمرين يقومون بتحويل أموالهم من الريال إلى الدولار ثم يهربونها خارج البلد ليتم ايداعها في بنوك دول مجاورة فيها سعر الفائدة على ودائع الدولار مرتفعة، ويخشى مهتمون محليون أن تستمر عملية نزوح الأموال بالعملة الصعبة من اليمن إلى خارجها بحثاً عن سعر فائدة مغري، الأمر الذي قد يؤدي في نظرهم إلى تراجع ميزان المدخرات بالعملة الأجنبية في اليمن ويؤثر على استقطاب الاستثمارات القادمة من خارج البلد.
وفي استطلاع نشرته وكالة روييرز الاسبوع الماضي قال عدداً من ملاك شركات الصرافة اليمنية أن الهدف من رفع أسعار الفائدة على ودائع الريال هو سحب السيولة النقدية من السوق لتعزيز صرف الريال أمام الدولار بغية أن يصل إلى أدنى مستوى له في سوق الصرافة خلال الأيام القادمة.
وفي دراسة عربية اعدها خبير مصري في المصارف الإسلامية تفيد أنه كلما ارتفع معدل الفائدة على الودائع يزيد ارتفاع معدل الفائدة على القروض الممنوحة للأفراد والشركات والمستفيد في هذه الحالة هم البنوك والمصارف، والمتضررين هم المقترضين سواءً كانوا أفراداً أم جهات، وهذه واحدة من سلبيات رفع سعر الفائدة على الودائع، لأن ارتفاع اسعار الفائدة على القروض يؤثر سلباً على نمو المشاريع الاستثمارية التي تفتقر للقروض التمويلية وعلى مستوى الشأن المحلي يفيد عدداً من مسؤولي البنوك الأهلية في اليمن أن نسبة الفائدة على القروض ارتفعت إلى حد كبير ومتفاوت.
من جانب تنظيري يرى مفكر الاقتصاد العالمي آدم سميث أن التنمية الحقيقية لايمكن أن تتحقق ولايمكن استخدام رشيد لعوامل الانتاج إلا إذا انخفض سعر الفائدة إلى أدنى حدوده. ويضيف خبير المصارف الاسلامية حسن شحاته: إن نظام الفائدة يقود إلى تركز الأموال في يد فئة قليلة سوف تتمكن من السيطرة على الثروة، كما أن رفع سعر الفائدة يلقي أعباءً إضافية على المقترض «المدين» الذي يجد نفسه عاجزاً عن دفع القرض الأول بسبب ارتفاع سعر الفائدة.
وقد جاء في نتائج دراسة اعدها خبير اقتصادي أردني أن سعر الفائدة الحقيقي يؤثر بشكل سلبي على حجم الاستثمار، حيث أن زيادة سعر الفائدة بمعدل 1 ٪ يقلل حجم الاستثمار بمعدل 44 ٪.
ويعدد بعض المهتمين بالجوانب الايجابية لرفع سعر الفائدة على الريال بقولهم: «إن رفع سعر الفائدة يقلل من حجم الضغوط الواقعة على الريال, ويهدف لامتصاص السيولة على المدى الطويل تجنباً لارتفاع الأسعار، وعلى مستوى البنوك قد يؤدي هذا الاجراء إلى ارتفاع تكلفة الودائع في البنوك ويشجع على تدفق المزيد من السيولة النقدية إلى البنوك بشكل ودائع ومدخرات.
من جانبه استغرب الاستاذ/محمد عبده سعيد-رئيس اتحاد الغرف التجارية على ارتفاع اسعار بعض السلع المحلية، وحمل الجانب الحكومي كامل المسؤولية تجاه هذا الارتفاع. ومن جانبه دعى الاستاذ/عبدالواسع هائل، رئيس الوزراء أن يوجه البنك المركزي بإعادة النظر في السياسة المتبعه بهذا الخصوص وبالذات فيما يتعلق بسياسة تلبية احتياجات البنوك عن طريق المزايدة والبيع لأعلى سعر بحسب قرار البنك المركزي رقم «22» لعام 2009م، وأضاف عبدالواسع هائل: إن قرار البنك يعد أهم العوامل التي أدت إلى هذا الاضطراب والارتفاع المضر باقتصادنا الوطني ابتداءً من شهر يوليو العام الماضي.
وتفيد الباحثة سلمى الوجيه أن ارتفاع سعر الفائدة هو نتاج لحالة عدم التناسف بين أهداف وأدوات السياسة النقدية المستخدمة، إذ يوجد على سبيل المثال تضارب بين هدف تشجيع القطاع الخاص مع هدف تحرير فائدة الاسعار الدائنة وارتباطها بفعالية عبر السوق مقابل عائد مرتفع لإذون الخزانة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كلفة الاستثمار.
عن مال وأعمال