قال رئيس قسم العلوم المالية والمصرفية في الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية – بصنعاء الدكتور محمد عبد الواحد فرحان أن سعر الفائدة على الودائع بأنواعها المختلفة بقي مستقرا خلال الفترة يناير 2006- فبراير 2009م عند نسبة 13% فيما تراجعت هذه النسبة للفترة من مارس 2009م – مايو 2009م إلى 12% لتستمر بالتراجع بدءا من يونيو 2009م حتى أواخر العام 2009م إلى 10%.
وتابع بقوله: مع مطلع العام 2010م عاود سعر الفائدة الارتفاع ليصل إلى 12% واستمر كذلك حتى أواخر فبراير من نفس العام, ثم واصلت تلك النسبة ارتفاعها لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 20% وذلك بدءا من أوائل شهر مارس 2010م وحتى أواخر ديسمبر من ذات العام.
ولفت فرحان في حلقة نقاش حول « السياسات النقدية » التي نظمها مركز سبأ للدراسات إلى أن ثبات سعر الفائدة خلال السنوات 2006م – 2008م قد أسهم بشكل إيجابي في تراجع معدلات التضخم والحد من نسب النمو المتزايدة في معدلات سعر صرف الريال مقابل الدولار الأمريكي, إلا أن استمرار تراجع أسعار الفائدة خلال العام 2009م دون مراعاة للعوامل الأخرى السائدة خلال نفس الفترة وأسهم في التأثير سلبا على معاودة سعر الصرف للارتفاع في العام 2009م بل إن السياسة التي اتبعت في إعادة رفع سعر الفائدة إلى مستوى قياسي بلغ 20% لم تكن ذات جدوى كونه قد رافق تلك السياسة استمرار في ارتفاع سعر الصرف.
مؤكدا أن السياسة النقدية من خلال استخدام سعر الفائدة ومنذ مطلع العام 2009م وحتى أواخر العام 2010م لم تؤد دورها بشكل فاعل في تحقيق الاستقرار النقدي, كما أنها لم تستطع منع تأثير العوامل الأخرى في الوصول بسعر الصرف إلى مستويات قياسية؛ إذ بلغ المعدل السنوي لمتوسط سعر الصرف في أواخر العام 2010م ما يقارب 220 ريالا لكل دولار أمريكي.
وأشار فرحان إلى أن الريال فقد ما يزيد عن 11% من قيمته خلال الفترة من 2006م-2010م, وأن ارتفاع مستوى سعر الصرف كان بنسب متناقصة خلال الفترة 2006م-2008م فيما كان الارتفاع بنسب متزايدة خلال الفترة 2009م-2010م.
وقال فرحان: بمقارنة المؤشرات السابقة مع مؤشرات السياسة النقدية المتمثلة في إدارة السيولة النقدية من خلال التدخل المباشر في سوق الصرف الأجنبي يمكن إن هذه السياسة قد أتت أكلها في السنوات الثلاث الأولى لفترة الدراسة وتحديدا الأعوام من 2006 إلى 2008م؛ حيث أسهمت إيجابا في تراجع معدلات نمو مستوى سعر الصرف خلال الفترة 2006م-2008م إلا أن سياسة التدخل وعلى الرغم من ارتفاع نسب حجم التدخل في سوق الصرف الأجنبي إلى ما يساوي 75% و31% في عامي 2009م و2010م على التوالي, مقارنة بـ(-2.5) عام 2006م لم تفلح في الحفاظ على ثبات مستوى سعر الصرف بل وعلى العكس قد أسهمت في التأثير سلبا على مستوى سعر الصرف وذلك من خلال الإسهام المباشر لتلك السياسة في تخفيض حجم الاحتياطيات الخارجية, فهناك علاقة عكسية بين حجم التدخل في سوق الصرف الأجنبي وحجم الاحتياطيات الخارجية, وأن السياسة النقدية من خلال الاستمرار في سياسة التدخل في سوق الصرف الأجنبي وفي ظل الظروف الاستثنائية التي مرت بها البلد خلال الفترة 2009م-2010م ومحدودية الاحتياطيات الخارجية وصلت إلى مستوى عجزت معه الاستمرار في هذه السياسة بمعدلات أكبر وهو ما يتأكد من خلال تراجع نسبة التدخل من 75% في عام 2009 إلى نسبة 31% في العام 2010م.
وأوضح فرحان أن السياسة النقدية ممثلة في التدخل المباشر لا سيما في ظل الظروف غير الطبيعية التي مرت بها بلادنا خلال الفترة 2009م-2010م لم تتمكن من تحقيق هدف الاستقرار النقدي, بل إن هذه السياسة تجاوزت ذلك إلى الإسهام في تقوية العوامل الأخرى الخارجية للبنك المركزي, وأن ارتفاع مستوى سعر الصرف قد أثر بشكل أساسي ومباشر في ارتفاع معدلات التضخم بعد العام 2008م, وهو ما يؤكد أن أدوات السياسة النقدية ذات الصلة بالتحكم في عرض النقود لم تعد منذ ذلك الحين على الأقل قادرة على تخفيض معدلات التضخم وذلك بفعل العوامل الأخرى المؤثرة فيه, التي من أهمها التغير في مستوى سعر الصرف؛ حيث إن هناك علاقة وثيقة فيما بين معدلات التضخم ومعدلات التغير في مستوى سعر الصرف.
وفيما يخص سياسة إصدار أذون الخزانة قال فرحان بأن إصدارها بدأ فعليا منذ شهر مارس 1996م واستمرت الإصدارات بنسب نمو متزايدة حتى أواخر العام 2010م وبدءا من فبراير 2009م قام البنك المركزي بإصدار السندات الحكومية كبديل لأذون الخزانة بالنسبة للمؤسسات العامة الحكومية التي تمتلك موارد مالية سائلة ضخمة وغير مستثمرة, وأن الموقف القائم لإصدارات السندات الحكومية حتى يناير 2011م وصل إلى مبلغ (418.900) مليون ريال.
وفيما يتعلق بأثر هذه السياسة على تحقيق هدف الاستقرار النقدي, وتحديدا أثرها في تحقيق استقرار أسعار الصرف فقد كان من المفترض أن تؤثر إصدارات أذون الخزانة بشكل إيجابي في استقرار سعر الصرف من جانبين:
الجانب الأول: توجيه قيمة إصدارات أذون الخزانة لتمويل المشروعات الاستثمارية, وهو ما سيؤدي إلى زيادة قيمة الصادرات وتخفيض الواردات وبالتالي انخفاض الطلب على العملات الأجنبية وأهمها الدولار واستقرار سعره.
الجانب الثاني: التأثير من خلال العائد المرتفع على أذون الخزانة على زيادة مستويات الادخار بالعملة المحلية بدلا عن العملات الأجنبية, مما يسهم في الحد مما يعرف بظاهرة الدولرة والمضاربة بالعملات الأجنبية وبالتالي استقرار سعر الصرف.
أما ما يتعلق بتأثير سياسة الدين العام في تخفيض معدلات التضخم فإن الاستمرار في إصدار أذون الخزانة قد ساهم بشكل واضح في ارتفاع أسعار الكثير من السلع الهامة والضرورية, وذلك من عدة وجوه من أهمها: ارتفاع كلفة الاقتراض من البنوك التجارية وبالتالي ارتفاع تكلفة المشاريع الإنتاجية والخدمية المعتمدة على الاقتراض من البنوك ومن ثم ارتفاع أسعار منتجاتها, وتوجه العديد من المنتجين لرفع أسعار منتجاتهم لتصل معدلات الأرباح إلى مستوى معدل أذون الخزانة.
وخلص فرحان في هذا الشأن إلى أن السياسة النقدية من خلال إدارة الدين العام لم تستطع تحقيق الهدف المرجو منها والمتمثل في تحقيق الاستقرار في مستوى سعر الصرف وتخفيض معدلات التضخم, وبالتالي لم تتمكن من التأثير الإيجابي في تحقيق هدف الاستقرار النقدي والحد من تأثير العوامل الأخرى المؤثرة سلبا عليه.
وتوصل فرحان من خلال ورقة عمله إلى عدة نتائج, منها: أن أدوات السياسة النقدية ذات الصلة بتحقيق هدف الاستقرار النقدي وفي ظل التحسن النسبي للمتغيرات الاقتصادية والسياسية خلال الفترة 2006م-2008م كانت وبشكل عام أكثر فاعلية في تحقيق أهدافها خلال تلك الفترة, ولم تستطع أدوات السياسة النقدية ذات الصلة بهدف الاستقرار النقدي وتحديدا منذ العام 2009م أن تحقق أهدافها المرجوة منها, وقد يكون ذلك راجعا إلى العوامل والمتغيرات السياسية والاقتصادية المختلفة, إضافة إلى عدم المرونة في استخدام تلك الأدوات وفقا للمتغيرات التي حدثت بعد العام 2008م, وهو ما يتأكد من خلال ثبات مؤشرات بعض تلك الأدوات على الرغم من التغير في مؤشرات المتغيرات المرتبطة بها.
وأوصى رئيس قسم العلوم المالية والمصرفية في الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية – صنعاء, بضرورة إعادة النظر في استخدام أدوات السياسة النقدية بما يتواكب والمتغيرات المختلفة ويضمن أهدافها, وهو ما يتطلب توافر مجموعة من العوامل والشروط الذاتية أو المؤسسية تتعلق بهيكل البنك المركزي وتطوره ونوعية موارده البشرية, كما يتطلب ذلك توافر مجموعة من الشروط الموضوعية وأبرزها تعزيز درجة استقلاليته ومصداقية سياساته وإجراءاته وتوفر قدر كبير من الشفافية في عمله وخضوعه للمساءلة إزاء مدى نجاحه في تحقيق الأهداف المنوط به.