ويلاحظ المتجول في الشوارع والازقة التونسية قبيل موعد السحور في رمضان هذا العام تراجع هذه الظاهرة التي كانت حتى قبل سنوات قليلة يصعب تصور هذا الشهر الفضيل بدون ذلك الرجل الذي يجوب الشوارع غير مكترث بحالة الطقس وهو يقرع الطبل لايقاظ الناس النيام لتناول وجبة السحور.
وعادة المسحراتي المعروفة منذ القدم في جميع الدول الاسلامية تقريبا حتى لو اختلفت الطقوس والكلمات التي يقوم بترديدها من بلد لاخر يقوم بدور اتصالي اعلامي واجتماعي مهم لاعلام الناس في منطقته بان وقت السحور قد حان حتى ان المسحراتي غالبا ما يكون هو نفس الشخص "الراوي" اي "الحكواتي" و"البراح" و"الوراش" في الإعراس والأفراح التي تتم في القرية او المدينة.
وفي تونس يتم ذلك من خلال قيام المسحراتي بمفرده او مع شخص اخر بقرع الطبل وكان يرافقه في الماضي في مهمته الرمضانية هذه شخص اخر ينفخ في المزمار يطلق عليه "الزكار" في جو شبيه بأجواء الإعراس والأفراح.
وخلافا لما يجري في بعض الدول العربية والاسلامية الاخرى التي قد يحصل فيها المسحراتي على بعض النقود او المقابل العيني الفوري خلال قيامه بهذه المهمة الرمضانية التقليدية فان المسحراتي التونسي يحصل على مقابل مجهوده واتعابه في نهاية الشهر الفضيل ايام عيد الفطر المبارك حيث يقوم بجولاته وصولاته الختامية متوقفا عند كل باب لاستلام ما كتب الله له من نقود وحلويات او هدايا عينية اخرى مختلفة وفقا لامكانية كل بيت واسرة.
الا انه في السنوات الاخيرة اخذت هذه الظاهرة تتراجع بشكل ملحوظ حتى في القرى والارياف فيما بدات بالانقراض في المدن الكبرى باستثناء بعض الاحياء الشعبية العريقة القليلة التي مازالت مصرة على المحافظة على هذه العادة الجميلة التي اصبحت على مر العقود والقرون رمزا من رموز شهر رمضان المبارك.
وازداد هذا التراجع خاصة بقدوم شهر رمضان في فصل الصيف حيث يسهر معظم الناس حتى الفجر في المقاهي وامام البيوت وعلى الشواطىء من شدة الحر او لمشاهدة المسلسلات التلفزيونية مع الاصدقاء ولا يخلد الجميع للنوم الا بعد تناول وجبة السحور دون حاجة الى تنبيه من طبل المسحراتي او مزمار رفيقه.
وعزا المسحراتي سالم الرياني بقرية صياده بالساحل الشرقي التونسي تراجع هذه الظاهرة في تونس في السنوات الأخيرة الى عزوف شباب اليوم عن ممارسة هذه المهنة الرمضانية التي غالبا ما يتوارثها الشباب من اسر معينة ابا عن جد.
وقال الرياني "لقد كبرت في السن واعاني مشاكل صحية كما اتوقع انقراض هذه الظاهرة قريبا وكليا في قريتي على سبيل المثال لان الموازين والقيم انقلبت ومثل هذه العادات اصبحت قديمة وشيئا تراثيا لا قيمة له بالنسبة الى الكثيرين لاسيما من الشباب".
ومن اسباب تراجع ظاهرة "الطبيلة" في تونس ايضا تطور وسائل الاتصال الحديثة وكثرتها كالمنبه والهاتف المحمول والتي تساعد الانسان على الاستيقاظ للسحور دون الحاجة الى تذكير او اعلام من احد.
الا ان زميله المسحراتي خميس مرزوق من قرية(لمطة المجاورة والذي يقوم بهذه المهنة منذ سنين طويلة لا يشاطره هذا التشاؤم حيث ذكر "ان هذه العادة الرمضانية ظلت صامدة لعشرات بل مئات السنين وستظل كذلك مستقبلا ايضا رغم رياح التغيير والحداثة والعولمة".
وارجع مرزوق تفاؤله بصمود ظاهرة المسحراتي الى ان الوضع سيتغير قطعا لصالحه ولصالح رفاقه في القرى والارياف والمدن ايضا لتعود هذه الظاهرة من جديد وبقوة خاصة عند قدوم شهر رمضان في فصل الشتاء وتعود حاجة الصائمين الى اصوات طبل المسحراتي ومزماره وكلماته واشعاره للاستيقاظ وتناول السحور .
المصدر : وكالات