رصدت شركات الإنتاج ميزانيات ضخمة لإنتاج بعض مسلسلاتها فمثلا تعدى إنتاج مسلسلات «الجماعة» و«شيخ العرب همام» و«سقوط الخلافة» أكثر من أربعين مليون جنيه لكل منها بزيادة حوالى 15 مليون جنيه عن العام الماضى، حيث كان أعلى مسلسلات 2009 إنتاجا هما مسلسلا: «الرحايا» و«أفراح إبليس» حيث تكلف كل منهما حوالى 25 مليون جنيه.
الاختلاف بين دراما 2009 و2010 لم يكن فى الشكل فقط بل فى المضمون أيضا، فنصوص هذا العام تتسم بجرأة أكبر من العام الماضى، ففى حين شهدت الدراما العام الماضى نوعا من الجرأة فى السياسة الخارجية والتى تمثلت فى مسلسلى: «متخافوش» و«البوابة الثانية»، فهذا العام امتدت جرأة المسلسلات إلى تناول السياسة الخارجية والداخلية التى ترصد كل ما يدور فى مصر وعلاقتها بدول العالم، مثل مسلسلات «الجماعة» و«سقوط الخلافة» و«بره الدنيا» و«بفعل فاعل»، كذلك التطرق لقضايا اجتماعية شائكة مثل العنوسة فى مسلسل «عايزه أتجوز» و«نعم مازلت آنسة» وتعدد الأزواج فى «زهرة وأزواجها الخمسة».
الست كوم يجتاح الشاشات
ويشهد هذا العام تناقصاً شديداً فى عدد مسلسلات الست كوم مقارنة بالعام الماضى، ففى حين تم إنتاج 10 مسلسلات ست كوم فى دراما 2009 يعرض هذا العام 5 فقط من هذه النوعية منها مسلسل ست كوم واحد فقط جديد هو «جوز ماما» والأربعة الآخرون أجزاء جديدة من مسلسلات العام الماضى وهى: «راجل وست ستات» و«بيت العيلة» و«شريف ونص» و«حرمت يا بابا». ويرجع هذا التراجع فى مسلسلات الست كوم إلى أنها لم تحقق العام الماضى النجاح الذى حققته فى سنوات سابقة بسبب سيطرة المسلسلات الكوميدية الطويلة التى حصدت النجاح الأكبر مثل «كريمة كريمة» و«ونيس وأحفاده» و«عصابة بابا وماما» و«عبودة ماركة مسجلة».
وفى مقابل قلة مسلسلات الست كوم، هناك زيادة ملحوظة فى المسلسلات الكوميدية هذا العام، التى قدمها نجوم الكوميديا فى السينما مثل أحمد مكى فى «الكبير قوى» وأحمد عيد فى «أزمة سكر» وأحمد آدم فى «الفوريجى» وهند صبرى التى تقدم كوميديا لأول مرة فى «عايزه أتجوز»، بالإضافة إلى المسلسلات الكوميدية التى يقدمها نجوم الدراما التليفزيونية مثل أشرف عبدالباقى فى «مش ألف ليلة وليلة» ومى كساب فى «العتبة الحمرا» وسامح حسين فى «اللص والكتاب» وسميرة أحمد فى «ماما فى القسم».
المسلسلات التاريخية التى غابت عن الدراما المصرية طوال السنوات الماضية تشهد هذا العام تواجدا ملحوظا حيث يُعرض هذا العام مسلسلا: «سقوط الخلافة» و«كليوباترا»، ورصدت لهما ميزانيات كبيرة لتنافس بها الدراما السورية، وقد تم تصويرهما بالكامل فى سوريا وتمت الاستعانة فيها بخبرات فنيين سوريين، وذلك فى الوقت الذى يستمر فيه غياب المسلسلات الدينية.
تجاهل في الإنتاج وإرتفاع في أجور النجوم
تجاهل التليفزيون المصرى العام الماضى للمسلسلات التى أنتجتها «صوت القاهرة» و«مدينة الإنتاج الإعلامى» جعل تلك الجهتين تقللان من إنتاجهما هذا العام، فالمدينة أنتجت هذا العام 8 مسلسلات فقط منها «4 إنتاج مباشر» والباقى مشترك مع شركات أخرى، رغم أنها أنتجت العام الماضى 13 مسلسلا، أما شركة «صوت القاهرة» فأنتجت هذا العام 8 مسلسلات منها «3 إنتاج مشترك» فى حين أنتجت العام الماضى 12مسلسلا، أما نصيب التليفزيون المصرى من هذه المسلسلات فلم يتعد 3 مسلسلات، واحد من «صوت القاهرة» واثنان فقط من المدينة. الغريب أن الشركتين لم تنجحا فى تسويق مسلسلاتهما على الفضائيات الخاصة، فى الوقت الذى أنتج فيه التليفزيون المصرى وشارك فى إنتاج 13 مسلسلا ليعرض معظمها فى شهر رمضان والباقى على مدار العام.
أجور النجوم ارتفعت هذا العام عن العام الماضى، فهى تشهد زيادة مستمرة من عام إلى آخر، فقد حصل الفخرانى على 8 ملايين جنيه عن مسلسل «شيخ العرب همام» بزيادة مليون جنيه عن العام الماضى، وحصلت يسرا على 7 ملايين جنيه عن مسلسل «بالشمع الأحمر» بزيادة مليون جنيه عن العام الماضى، فيما حصلت إلهام شاهين على 6 ملايين جنيه عن مسلسل «امرأة فى ورطة» بزيادة نصف مليون عن العام الماضى، وحصل نور الشريف على 7 ملايين جنيه بزيادة مليونى جنيه عن العام الماضى، والزيادة لم تقتصر على النجوم فقط بل امتدت إلى ممثلى الصفين الثانى والثالث.
قنوات العرض تزداد بزيادة المسلسلات
وباختلاف كبير عن العام الماضى، تشهد دراما 2010 زيادة قنوات العرض المتخصصة فى الدراما التليفزيونية، فرمضان هذا العام يشهد بث 4 قنوات فضائية جديدة هى: «نايل دراما 2» التابعة للتليفزيون المصرى و«ميلودى دراما» و«كايرو دراما» و«مودرن روايات»، وتسببت زيادة قنوات العرض فى زيادة رواج المسلسلات حيث فتحت سوقا جديدة عوضت عدم شراء القنوات الخليجية للمسلسلات المصرية، ورغم هذه الزيادة فإن أسعار المسلسلات لم تنخفض بل ارتفعت عن العام الماضى، فقد اشترت قناة الحياة مسلسل «شيخ العرب همام» حصريا بـ 35 مليون جنيه، واشترت «بيت الباشا» بـ 15مليوناً، واشترى التليفزيون المصرى مسلسل «الجماعة» كعرض متزامن بـ 21 مليون جنيه، واشترى «بالشمع الأحمر» لعرضه حصريا بـ 20 مليوناً، وتم بيع كل من «الكبير قوى» و«القطة العاميا» بـ 10 ملايين جنيه لكل منهما، و«ريش نعام» و«منتهى العشق» بـ 8 ملايين لكل منهما.
ورغم هذا النشاط الذى تشهده الدراما فإن هناك أزمة مالية واجهت العديد من المسلسلات وتسببت فى وقف إنتاجها مثل «هز الهلال يا سيد» و«العنيدة» و«حامد قلبه جامد»، وهناك مسلسلات أخرى توقف تصويرها أكثر من مرة مثل «منتهى العشق» و«الحارة» و«ملكة فى المنفى».
المسلسلات الرمضانية تكرر نفسها لتثبت وجودها ..
وعلى الصعيد التقيمي للدراما المصرية هذا العام فعند متابعة الحلقات الأولى من المسلسلات الرمضانية سجلت مؤشرات سلبية خطيرة، تدعم حقيقة تراجع الأعمال الدرامية في مصر ليس على مستوى الصناعة والتمثيل والإخراج والإنتاج خاصا أو حكوميا فقط، بل أيضا على مستوى الكتابة والمعالجة الدرامية، حيث أكدت مؤشرات مسلسل "الجماعة" أنه ربما يكون أسوأ عمل كتبه أخيرا المؤلف والسيناريست الشهير وحيد حامد، وكذلك مسلسل" "الحاجة زهرة وأزواجها الخمسة" بالنسبة للكاتب والسيناريست مصطفى محرم، ومسلسل "ماما في القسم" بالنسبة للكاتب والسيناريست يوسف معاطي.
إن مسلسلات مثل "الكبير أوي"، "اللص والكتاب"، "العار"، و"الصيف الماضي"، "بابا نور"، "الفورمجي"، و"شريف ونص"، و"رحيل مع الشمس"، و"أغلى من حياتي"، و"الحاجة زهرة وأزواجها الخمسة"، و"أغلى من حياتي"، و"ألف ليلة وليلة"، و"سلطان الغمري" و"أيام الحب والشقاوة" أعطت انطباعا بأنه هناك تهريجا مقصودا ومتعمدا يبدأ من التأليف الذي جاء فجا بلا معنى، وينتهي بالمشاهد التي جاءت توفيقية، مجرد تسجيلات ميكروفونية مصحوبة بمجموعة من الحركات الجسدية والآلية المكررة، وأن الممثلين والمخرجين والمصورين والفنيين كل هؤلاء وغيرها لا يسعون لعمل متميز بل كل همهم وما يريدونه هو "الإنجاز"، إنجاز ساعات يتم ملء وقت القنوات بها، وأيضا ملء فراغ عقل ووجدان المشاهد، فضلا عن ملء جيوب الممثلين والمخرجين ومن حولهم بالفلوس.
أحمد آدم وصلاح السعدني وحسين فهمي وسامح حسين وأحمد مكي وأشرف عبدالباقي وحسن حسني وأحمد رزق وفتحي عبدالوهاب وغادة عبدالرازق وشمس وعلا غانم وهلم جرا، الجميع إما يقلد نفسه في أدوار سابقة له أو يقلد آخرين، السعدني مثلا لا يزال يعيش في شخصية عمدة "ليالي الحلمية"، وأشرف عبدالباقي وحسن حسني استهلكا شخصيتهما وقدراتهما، وسامح حسين وأحمد مكي لا يزالان يتدربان على تقليد آخرين مثل محمد سعد ومحمد هنيدي.
الدراما المصرية تملىء سعات المشاهد فقط
إن مؤشرات المشهد الأولى لمسلسلات رمضان تذكر بمقولة شهيرة أطلقت على الصحف العربية في فترة من الفترات وحتى الآن "ملء وتسويد صفحات"، مجرد صحف يتم ملؤها وتسويد صفحات فقط ليس مهما أن تحمل أو تعالج أو تطرح قضية ذات قيمة إنسانية أو ثقافية أو فكرية.
ابتلعت غضبي كثيرا أثناء متابعة الحلقات الأولى من مسلسلات رمضان، وأرى نتائج تكلفة بلغت إن لم تكن تجاوزت 750 مليون جنيه، ومضى ما يتجاوز شهر ونصف والتليفزيون المصري والقنوات الفضائية المصرية والصحف والإذاعات والمجلات وما شابه ذلك من إعلانات ملأت الشوارع الرئيسية والمتنزهات والصحف والمجلات وغير ذلك، تعمل على قدم وساق للإعلان عنها.
إن أداء غادة عبدالرازق في مسلسلها الذي أثيرت حوله الأقوال والأقاويل عن معارضته للدين في أمر الزواج، جاء استعراضيا فجا، امرأة كما يقال"فرحانة بطولها وجمالها"، شكلها متناقض تماما مع فقرها، ولغتها الغمز واللمز والإثارة، المسلسل يقوم على الصدفة، لا تسلسل لحدث ولا ترتيب لدخول شخصية على الخط الدرامي، والبقية تأتي.
مسلسل "الجماعة" الأعلى تكلفة على الإطلاق هذا العام دخلت حلقتيه الأولى والثانية بأحداث 2006 والاستعراض شبه العسكري لطلاب جماعة الإخوان المسلمين بجامعة الأزهر، واشتباكات هؤلاء الطلاب مع الأمن، والتهكم والاستهزاء والسخرية المفتعلة من رجال الجماعة، في مقابل تبجيل وتنصيب رجال الأمن أبطالا، وتبرئة ساحتهم من محاولة الصدام، فضلا عن الهزال الذي بدا عليه السيناريو والحوار، كل ذلك حمل مؤشرا سلبيا للمسلسل الذي يعقد عليه النظام المصري آمالا كبيرا في مناهضة حضور الجماعة المحظورة في الشارع المصري.
تظل مسلسلات مثل "السائرون نياما" و"شيخ العرب همام"، و"كليوباترا"، "سقوط الخلافة" و"عاوزه أتجوز"، و"نازلي ملكة في المنفى" تحمل أملا كبيرا للاستمتاع بأعمال جيدة.