حوارات نُشر

وزير التخطيط والتعاون الدولي لمجلة الاستثمار:اليمن يحتاج إلى 10 مليارات دولار لمواجهـة الاحتيـاجـات الطــارئة

كشف وزير التخطيط والتعاون الدولي والأمين العام المساعد لحزب «التجمّع اليمني للإصلاح» الدكتور محمد سعيد السعدي عن أن اليمن بحاجة إلى احتياجات تمويلية تقدّر بحوالى 15 مليار دولار لتحريك الاقتصاد اليمني وتغطية الاحتياجات الاستثمارية منها 10 مليارات دولار لمواجهة الاحتياجات العاجلة والطارئة نتيجة الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد منذ مطلع العام الماضي.

وقال وزير التخطيط في حديث خاص لـ «الاستثمار» إن هناك وعوداً صادقة وتفاعل إيجابي واستجابة من دول الخليج الأربع وهي السعودية والكويت والإمارات والبحرين التي زارها الشهر الماضي لدعم اليمن، وأنه تم رفع التعليق على تمويل مشاريع التنمية وإطلاق التمويل، وأن بعثات من بعض الصناديق الخليجية ستزور صنعاء بعد الانتخابات الرئاسية.

وأوضح السعدي أن مؤتمر أصدقاء اليمن المقرّر في العاصمة السعودية الرياض سيعقد في شهر مارس الجاري أو أبريل القادم، بمشاركة دول مجلس التعاون الخليجي والدول والمنظّمات المانحة لتحديد الاحتياجات التمويلية التي تتطلّبها مشاريع التنمية في اليمن.

وأشار السعدي إلى أن اليمنيين تجاوزوا مرحلة الخطر الأكبر، ولكن بعض المخاطر لا زالت تحاصرهم لكنها أقل من الخطر الأكبر، وعبّر عن تفاؤله بالمستقبل القريب، وأعرب عن اعتقاده «بأن الأيام القادمة ستكون أفضل من الأيام الراهنة».


 ما تقديركم للاحتياجات التمويلية التي يتطلّبها الاقتصاد اليمني لمواجهة آثار وتداعيات الأزمة السياسية التي عصفت باليمن منذ مطلع العام 2011؟


- طبعاً الأوضاع في اليمن بشكل عام أوضاع مزعجة، ولكن في الجانب الاقتصادي هي أكثر إزعاجاً، وسبب ذلك تراكمي. بعض السياسيين يحاول أن يحمّل الثورة ما لا تتحمّله، ولكن حقيقة الأمر أن العملية تراكمية وهي مخلّفات سواء إدارة الموارد المالية والبشرية وليس فقرا في اليمن وإنما فقر في طريقة إدارة هذه الموارد وعلى وجه الخصوص الموارد البشرية وتهيئة البيئة الاستثمارية. وبالتالي هذه التراكمات أدت إلى مضاعفة الحاجات وما كان يمكن أن نحتاجه هذا العام أصبح بعد عام أو عامين مضاعفاً في حجمه وتقديره كاحتياج إليه. وما أعلنا عنه من مبالغ هو عبارة عن مبالغ تقديرية لكننا الآن في طور الإعداد لدراسات للاحتياجات السريعة والاحتياجات الاستثمارية. الاحتياجات السريعة نقدّرها في حدود 10 مليارات دولار لسد الفجوة من ناحية الاحتياجات الضرورية. لكن ما قلته أنا أيضاً أنه بحوالى 15 مليار دولار نستطيع أن نحرّك الاقتصاد اليمني. إنما الاحتياجات كبيرة لأن اليمن حرمت من التنمية خلال العقود الماضية. الناس الذين يعرفون اليمن أو يعرفون عدن على وجه التحديد. عدن كانت في الخمسينيات من القرن الماضي أكثر حضارية من غيرها من مدن دول الجوار، وعندما نلاحظ نظيراتها في دول الخليج اليوم فالمسافة الزمنية على الأقل من 30 إلى 40 سنة فارق في العمران أو البنية الأساسية. فالاحتياج كبير والأرقام التي قلناها تقديرية ونحن الآن في مرحلة إعداد الدراسة، والأهم من هذا كله نحن الآن في مرحلة النقلة النوعية للنظام السياسي وفي نفس الوقت أيضاً التهيئة للأمن والاستقرار لأن اليمنيين قادرون على الإنتاج خارج الحدود. اليمنيون يصنعون إمبراطوريات، اليمنيون الموجودون في ماليزيا والهند ودول الجوار والمملكة العربية السعودية  خصوصاً وفي أثيوبيا وغيرها، هم يملكون خبرات متراكمة وأموالا نقدية أيضاً، فإذا وجد الأمن والاستقرار لا شك في أنهم سيكونون عنصراً أساسياً في التنمية في اليمن بشكل عام.

نحن نحتاج في بداية تحريك الاقتصاد مع الاحتياجات الضرورية في حدود 15 مليار دولار، وهي أيضاً تقديرية بناءً على الاستشارات مع بعض الاقتصاديين والخبراء. لكن الأرقام الحقيقية مرتبطة بمشاريع استثمارية بعيدة المدى. فنحن نعدّ الآن دراسات حول الاحتياجات العاجلة والضرورية أولاً ثم الدراسات التي تحتويها خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الرابعة للأعوام 2011- 2015.


 بخصوص مؤتمر أصدقاء اليمن المقرّر عقده في العاصمة السعودية الرياض.. هل تم تحديد موعد انعقاد المؤتمر بشكل نهائي؟ وماذا تحملون إلى المؤتمر وماذا تتطلّعون لتحقيقه من خلاله؟


تم تحديد أبريل القادم موعد لاجتماع أصدقاء اليمن، وتستكمل السلطات تهيئة الأجواء والمناخات التصالحية. لدينا أيضاً قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية بعد الصراع والذي سيصدر قريباً. تهيئة الأجواء وتوفير الأطر المناسب للأمن والاستقرار هذا سيأخذ أسابيع أخرى. والأهم من هذا أن يتم تحضير موضوعي لمؤتمر أصدقاء اليمن الذي ستشارك فيه دول الخليج والدول والمنظّمات المانحة لتحديد الاحتياجات المطلوبة من التمويل. هذا ما نعدّ له الآن وبدعم ومشاركة من البنك الدولي والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. ثلاث جهات تعد لنا الآن دراسة، بالإضافة إلى جهات وطنية تشرف عليها وزارة التخطيط والتعاون الدولي تقوم برسم الخطط القطاعية وتحديدها بالذات الخاصة بالوزارات الخدمية في مجال الكهرباء والمشتقات النفطية والطرق، هذه كضروريات تعطى أولويات بحيث أنها تحضّر كمشاريع بأهداف وآليات تنفيذ وتقديرات تمويلية.


 ولكن كان يؤخذ على الحكومات اليمنية السابقة وخاصةً وزارة التخطيط أنها لم تكن تستعد بشكل جيد ولم تستوف متطلّبات مؤتمر المانحين بلندن عام 2006 ومؤتمرات أصدقاء اليمن التي عقدت بعد ذلك في الرياض وأبو ظبي وبرلين ونيويورك.. هل ستعملون على تلافي تلك الأخطاء والثغرات؟


- حقيقةً التواكل أصبح ثقافة للأسف، وكانت عملية إدارة الوقت أيضاً غير منتظمة، لكن أنا أقول عندما نتكلّم عن السلبيات أقول لذلك قامت الثورة، ولا نريد أن نجعل السلبيات شمّاعة نعلّق عليها قصورنا، ونسعى إلى تلافى هذا القصور وعدم تكراره حتى نمضي نحو تحقيق تقدّم في الخطط الاقتصادية. وزارة التخطيط جزء من جسم اسمه الحكومة، صحيح أن وزارة التخطيط لديها حق القيادة في بعض الجوانب الاقتصادية ولكن أيضاً قد تصمّم أنت خارطة لمبنى وتعدّ له كل المتطلّبات وتحسب الكميات ثم لا يوجد من ينفّذ، أو من ينفّذ ينفّذ بطريقة سيّئة، تحضر مقاول سيء وتأتي بمواد أكثر سوءاً وبالتالي يصبح المبنى مشوّها أو قابلا للإنهيار في أي وقت. نحن حريصون أولاً على أن نعمل في الحكومة كفريق واحد، نتبادل الخبرات ونقود فيما علينا من واجبات ولكن بدعم أيضاً الوزارات المختصة وبروح الجماعة والتعاون يمكن أن نحقّق خطوات إيجابية ونتلافى السلبيات السابقة.


 ما الذي تتوقّعونه من دول مجلس التعاون الخليجي خلال المرحلة القادمة.. خصوصاً وأن دول الخليج رعت اتفاق نقل السلطة كما أنها وعلى مدى سنوات طويلة كانت داعماً رئيساً للتنمية في اليمن؟


- نحن كما تعلم في الشهر الماضي قمنا بزيارة لأربع دول خليجية بوفد رفيع برئاسة رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة، شرحنا لهم الحال، وأبدوا لنا استعداداً وتفاؤلاً كبيراً خصوصاً الأشقّاء في المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، ووجدنا أيضاً تفاعلا إيجابيا من البحرين واستعدادا لتقديم الخبرات التي لديها. وجدنا وعودا ونحن نعتقد أن هذه الوعود صادقة وبدأنا منذ أن عدنا بالتواصل مع المختصين وكان هناك بعض المشاريع التنموية المعلّقة بسبب الأحداث السياسية والأمنية في 2011، تحرّكت هذه المشاريع وأطلق التعليق وبدأ التمويل لتنفيذها. لكن طلباتنا واحتياجاتنا أكبر من هذه المشاريع المستمرة سواء كان في جانب الاحتياجات العاجلة التي طرحناها على الأشقّاء في دول الخليج، أو كان في الإشكاليات التي لدينا في ميزان المدفوعات وفجوة الموازنة العامة للدولة، فنحن لا نريد أن ندخل في تضخّم وفي حالة الإشكاليات النقدية، فوجدنا استجابة ووعودا صادقة ونحن على أمل في أننا عند استكمالنا لانتقال السلطة في المرحلة الأولى سنجد تجاوبا أكثر. هناك بعثات من بعض صناديق الدول الخليجية التمويلية ستحضر إلى اليمن قبل الانتخابات، وهناك أيضاً تواصل مستمر بيننا وبين المعنيين في المؤسّسات الاقتصادية العربية والدولية لتقديم العون لنا لمواجهة التحديات الاقتصادية.


  تتولّون منصب الأمين العام المساعد للتجمع اليمني للإصلاح أكبر أحزاب المعارضة الرئيسة المنضوية في تكتّل اللقاء المشترك.. يتّهمكم حزب المؤتمر الشعبي العام «الحاكم سابقاً» بمحاولة إقصاء قياداته وكوادره من المؤسّسات الحكومية التي تشهد احتجاجات واعتصامات للمطالبة بإقالة قياداتها على خلفية اتّهامات بالفساد وإهدار المال العام.. ما ردّكم وما رؤيتكم لمعالجة هذا الملف الشائك؟


- الاتهامات بالفساد ستبقى اتهامات ولا يمكن الإقرار بها إلا إذا فصل فيها بطريقة قانونية، لكن الإصلاح أثبت وخلال الـ 15 سنة الماضية أنه الحزب الذي يقبل بالآخر وأنه الحزب الذي يتيح الفرصة للآخر وأكبر دليل ما حدث عند تشكيل الحكومة، حيث آثر الإصلاح الأحزاب الأخرى بل آثر المستقلين ليتبوّأوا مناصب وزارية وقيادية حرصاً على جمع الكلمة وحرصاً على ألاّ يدخل في صراع وألاّ يظهر بمظهر الأناني وأنه حزب كبير يلتهم الأصغر منه أم يمارس ضغوطاً عليه.

نحن لا نريد أن ندخل في مناكفات أو أن نقول إن المؤتمر الشعبي هو الذي أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه، لكننا نقول إنه لكي ينجح الوفاق فإنه لا بد من تمهيد الطريق أمامه. حتى تنجح حكومة الوفاق الوطني لا بد من العمل بروح الفريق الواحد ولا بد من إتاحة الفرصة للنزيهين ليس من المؤتمر ولا من الإصلاح ولا من غيره ولكن من أبناء الوطن. ذووا الكفاءات يجب أن يتبوّأوا المناصب القيادية لا ذوي الانتماءات والعصب أو ذوي القرابات، وإنما نحن نقول إنه لتصحيح مسار مستقبل اليمن سواء كان في التنمية أو في غيرها مطلوب أن تكون هناك نماذج موضوعية ومعايير يقاس بها أداء الآخرين. أما الفساد فهو ليس تهمة وإنما حقيقة تشهد بها المنظّمات الدولية وأبناء اليمن، ومحاربته واجب على الحكومة وعلى القادر من أبناء الشعب.

نحن فقط نقول إن الكيفية والتوقيت يحتاجان إلى مراجعة. هذه الطريقة التي يذهب فيها الموظّفون والمواطنون إلى المؤسّسة ويحاصرونها ويحاصرون مديرها، ثم يستسلم مديرها للأسف أو يهرب ليثبت للناس أنه فعلاً فاسد وأن هذه المطالب مشروعة. نحن نرى أننا نستكمل الجانب السياسي أولاً ثم نشكّل لجنة أو نفعّل المؤسسات المعنية بالرقابة والتحقيق وتحال إليها هذه القضايا لتأخذ مجراها القانوني، ولا ندين فاسدا على تهمة ولكن ندينه على حقيقة، وإذا ظهر أنه بريء فيجب أن ينال براءته ويفتخر بها ويعيش كما يعيش أي يمني حر. الفساد هو السبب الرئيس لقيام الثورة. لا يستطيع أحد أن يقول إنه لا يوجد في هذا البلد فساد، فهذا أمر مسلّم به من كل الأطراف.


 رغم خطوات تنفيذ المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية المزمّنة لها، إلا أن الوضع الأمني لا يزال هشاً مما يجعل المواطن اليمني غير مطمئن بما فيه الكفاية لعودة الحياة الطبيعية.. كيف ترى الوضع الأمني حالياً؟


- أنا كل يوم ازداد طمأنينة لأننا كل يوم نخطوا خطوات منذ التوقيع على المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية لها في الـ 23 من نوفمبر 2011. فالأمر بالنسبة لي أن المخاوف تقل بشكل تنازلي، وأشعر بأن اليمنيين تجاوزوا مرحلة الخطر الأكبر، ولا زالت تحاصرهم بعض المخاطر لكنها أقل من الخطر الأكبر، وبالتالي أنا أعتقد بأن الأيام القادمة ستكون أفضل من الأيام الراهنة. وبالنسبة لمخاوف الناس فإن من حقهم أن تستمر مخاوفهم معهم حتى يلمسوا استقرارا وأمنا عاما ويلمسوا اختفاء المظاهر المسلّحة خاصةً في الشوارع والمدن على وجه الخصوص. رغم أن الشباب المسلّحين اليوم وبالذات العسكريين منهم يؤدّون واجبا وطنيا، وتلاحظ في وجوههم الابتسامة والرضا إلا أن المدينة المسالمة ينبغي ألّا يظهر فيها أي مظهر من مظاهر التسلّح سواء كان شعبياً أو عسكرياً حتى يشعر الناس بإمكانية الاستقرار والاستثمار. أنا أقول وبكل صراحة إن مخاوفي تقل يوماً عن آخر ولديّ تفاؤل كبير بأن المستقبل القريب سيكون أفضل من الراهن.


 يرى مراقبون أن مسألة إنهاء الانقسام في الجيش وإعادة هيكلته ستكون من المهام الصعبة التي ستواجه الرئيس القادم والمرشّح التوافقي الوحيد عبد ربه منصور هادي وربما تهدّد مستقبل التسوية السياسية خاصةً في ظل سيطرة أبناء وأقارب الرئيس علي عبد الله صالح على قوّات الحرس الجمهوري والأمن المركزي والأمن القومي والحرس الخاص؟


- أنا أتصور أن المخاوف بشأن هذا الموضوع كانت قبل التوقيع على المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية، أما وأن حصل التوقيع من الرئيس علي عبد الله صالح وتمت الخطوات الإجرائية، واللجنة العسكرية تمارس مهامها ورقابة المجتمع الدولي على سير الآلية التنفيذية مستمرة، فأنا أظن أن الأمر لن يكون بهذه الصعوبة، وقد لا يكون سهلاً، وإنما سيتحقّق هذا لأن إعادة هيكلة الجيش والأمن في الأصل لا تستهدف أشخاصاً. نحن لا نريد أن نزيل أشخاصا وإنما نصحّح المؤسسة العسكرية، وهي المؤسسة التي ننفق عليها ثلث ميزانيتنا. كنت مع بعض الأخوة الضباط وقلت لهم أنا أخجل تاريخياً عندما أقول إنني أنفق ثلث ميزانيتي على الجيش ثم لا يستطيع هذا الجيش أن يؤمّن لي خط نقل الكهرباء من مأرب إلى صنعاء. وإعادة هيكلة مؤسّسة الجيش هي إعادة بناء مؤسّسي واعتباري لها. المؤسّسة العسكرية الآن تابعة لفلان وفلان وهناك فرقة فلان وجيش فلان وحرس فلان، فالمسمّيات هذه يجب أن تذوب وتنتهي لنسمّي جيشا وطنيا، عسكر اليمن، أمن اليمن، حتي تؤدّى الرسالة كما يجب وضمن الوظيفة الأساسية لهذه المؤسّسة.


مجلة الاستثمار العدد 39 مارس 2012م


 

مواضيع ذات صلة :