كيف تقيمون سياسة الحكومة في إعداد وبرمجة الموازنة العامة؟
- اتسمت الموازنة العامة للدولة بالاتجاهات التوسعية، استجابة لمتطلبات تطور الإنفاق العام، يدفعها في هذا الاتجاه محدودية دور وقدره القطاع الخاص على تحريك عملية النمو الاقتصادي، حيث ارتفع الإنفاق العام في الموازنة من نحو (881) مليار ريال عام 2004 الى نحو (2012) مليار ريال عام 2010م، وهي تطورات غلب عليها الطابع الكمي، وارتبطت بتطور الإيرادات النفطية، اذ تشير تخصيصات الإنفاق العام إلى اختلال هيكل النفقات العامة، والمتمثل في استحواذ النفقات الجارية على نحو (79.3 ٪) من إجمالي النفقات في الموازنة، بينما لم تتجاوز نسبة النفقات الرأسمالية والاستثمارية (20.7 ٪) كمتوسط سنوي للمدة 2004-2009م، وهو ما يحد من الأثر التنموي للموازنة العامة.
ويتضح هذا الاختلال بصورة اكبر عند مقارنة نسبة الإنفاق الاستثماري المستهدف في الخطة الخمسية الثالثة والذي قدر بنحو ٪30 من إجمالي الإنفاق العام، ويتبين كذلك من نتائج تنفيذ الموازنة العامة في الحسابات الختامية ومقارنتها بتقديرات الموازنة، والتي تعكس انخفاض مستوى تنفيذ الاعتمادات الاستثمارية المقدرة، وهو ما يسهل معرفة الأولويات الأساسية للإنفاق العام من وجهة نظر الحكومة.
هل يعني استحواذ النفقات الجارية على الجزء الأكبر من النفقات العامة عدم الكفاءة الاقتصادية للنفقات في الموازنة العامة؟
- التصنيف الاقتصادي للإنفاق العام إلى إنفاق جاري وإنفاق رأسمالي لا يدل بصفة دائمة على القدرة الإنتاجية لمختلف أنواع الإنفاق، ولكن زيادة الأهمية النسبية للنفقات الجارية إجمالاً ضمن هيكل النفقات العامة تؤشر إلى اختلال في التوزيع لا يعزز الكفاءة الاقتصادية ويتبين ذلك من الآتي:
اولاً: النفقات الجارية تتصف غالبية مكوناتها بأنها نفقات متكررة، وبالتالي تمثل التزام ثابت لا يمكن تخفيضه لعدة اعتبارات، مما يحد من مرونة الموازنة العامة لمواجهة اي انخفاض في الإيرادات العامة، الأمر الذي يجعل الإنفاق التنموي في الموازنة اكثر عرضة للتخفيض كلما ارتفع عجز الموازنة العامة للدولة.
ثانياً: يزيد اثر هذا الاختلال في الموازنة على الكفاءة الاقتصادية، عندما لا يتم استيعاب الإنفاق الاستثماري المقدر في مشروع الموازنة، او عندما توظف النفقات الاستثمارية ذات الأهمية النسبية المنخفضة في مجالات لا تضيف شيئاً لقدرات الاقتصاد الإنتاجية.
ما تفسيركم للحجم المتزايد للنفقات العامة.. وهل يتناسب مع التوجه نحو ترشيد النفقات، وخاصة مع شحة الموارد المالية؟
- ترشيد الإنفاق العام لا يعني بالضرورة الحد من الإنفاق أو تخفيضه، اذا ما وجدت الدواعي الجدية التي تبرره، ولكن يقصد به تحقيق الكفاءة الاقتصادية وحسن التدبير والسعي نحو تحقيق اكبر عائد بأقل كلفة ممكنة، حيث ان المحدد لكفاءة الإنفاق العام في الموازنة هو تركيبه الانفاق العام وليس حجم الإنفاق.
فإذا كانت الموارد محدودة والاحتياجات متعددة، واعتماد أفراد المجتمع على الدولة في تلبية تلك الاحتياجات مرتفع، فإن هذا يفرض أعباء متزايدة على الموازنة العامة تستدعي المفاضلة والاختيار بين الأولويات بما يعزز كفاءة الانفاق العام، لذلك يكون ترشيد الانفاق العام أكثر الحاحاً عندما لا يعكس هيكل الإنفاق العام في الموازنة أولويات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية.
ما هو اثر اعتماد الموازنة العامة على الإيرادات النفطية في تمويل الانفاق بصورة كبيرة؟.. وهل تؤثر تركيبة الايرادات العامة في الموازنة على استقرارها؟
- تبنت الخطط الخمسية المتعاقبة هدف استراتيجي للسياسة المالية تمثل في تنويع مصادر الدخل، من خلال تنمية الإيرادات الأخرى غير النفطية بغرض توسيع قاعدة الايرادات العامة، وتحقيق قدر من الاستقرار لها.
لكن هيكل الايرادات العامة يوضح ارتفاع الأهمية النسبية للايرادات النفطية التي مازالت تمثل المصدر الرئيسي لتمويل النفقات العامة بنسبة بلغت نحو ٪73 من إجمالي الإيرادات الفعلية، مما يجعل الموازنة تعتمد على مصادر ايرادية غير مستقرة، تتأثر بتقلبات الأسعار العالمية وحجم الإنتاج النفطي، وهو ما لا يتناسب مع أهداف السياسة الاقتصادية العامة وتقديرات الخطة الخمسية الثالثة، التي حددت مساهمة للايرادات غير النفطية بنحو 40 - ٪45 إلى إجمالي الإيرادات العامة، فيما لم يتجاوز المتوسط الفعلي نحو ٪25.
وبذلك فإن حجم الموازنة وإعدادها يعتمد بصورة كبيرة على عوائد النفط، مما يعكس محدودية القدرة على الانتقال من اقتصاد معتمد على مورد طبيعي واحد الى اقتصاد متنوع الموارد، والذي يزيد من عناصر عدم الاستقرار في الموازنة العامة، وبالتالي ينعكس على عدم الاستقرار الاقتصادي.
- مساهمة الايرادات الضريبية ضمن مكونات الايرادات في الموازنة مازالت متدنية وبنسبة بلغت نحو ٪21 الى اجمالي الايرادات العامة وهي دون المستوى المستهدف في الخطة الثالثة للتنمية الذي قدر بنحو ٪28 كمتوسط سنوي، كما ان المساهمة الضريبية الفعلية متواضعة قياساً بحجم النشاط الاقتصادي في المجتمع، حيث لم ترتبط الحصيلة الضريبية بدرجة وثيقة بتغيرات الناتج المحلي الاجمالي، مما يعكس ارتفاع معدل التهرب الضريبي في ظل نظام ضريبي لم يصل الى استغلال الطاقة الضريبية الممكنة والمقدرة بنحو ٪15 من حجم الناتج المحلي الاجمالي، في ظل حصيلة ضريبية تقدر فقط بنحو ٪7.2 من الناتج المحلي الاجمالي.
وربما تعزى المساهمة المنخفضة كذلك الى عوامل اخرى تتعلق بانخفاض القوة الالزامية لدفع الضرائب، علاوة على اثر الاعفاءات الضريبية التي اوردها المشرع اليمني.
اجمالاً يمكن القول ان محدودية القدرة على زيادة الحصيلة الضريبية يعبر عن واقع النظام الضريبي وليس عن الآفاق المتوقعة من النظام الضريبي.
عن مجلة الاستثمار