فلكل ازمة نموذجها وطرازها، بدءاً من تايلند والدوت كوم الى ازمة الرهن العقاري. غير انها جميعا تشترك في شيء واحد، المال السهل. فـ«أسلوب غرينسبان»، القائم على دعم البنوك المركزية السريع والقوي للأسواق المالية خلال الاضطرابات، كان بمنزلة المخدر قصير الاجل الذي مهد الطريق مرارا للأزمة المقبلة.
في اعقاب الازمة المالية الآسيوية في اواخر التسعينات غذت السياسة النقدية المتساهلة فقاعة الاسهم. وعند انفجار الفقاعة في 2000، مهدت جرعة اخرى من السياسة النقدية غير العادية والاستثنائية الطريق امام فقاعات واسعة النطاق للعقارات والائتمان. وها هي الهزات الارتدادية لآثار كارثة تلك الفقاعة تضع اوروبا على شفير الهاوية.
تكرار الخطأ
ومن المؤسف ان البنوك المركزية تقوم بالفعل ذاته مرة اخرى، فأسعار الفائدة قريبة من الصفر من حيث القيمة الاسمية، وسلبية من حيث القيمة الحقيقية. وبلغة المجلس الاحتياطي الفدرالي فان هذا الوضع الذي يزعزع الاستقرار سيستمر على الارجح لفترة طويلة. وكما يعقب النهار الليل، فان في هذا وصفة للأزمة المقبلة. ومن المستحيل القول ما اذا كانت تلك الازمة ناجمة عن فقاعة اصول اخرى او حفلة ائتمان او تضخم في اسعار المستهلكين. لكن اي او جميع تلك الخيارات يمكن تصور حدوثها في مناخ ما بعد الازمة غير المنضبط.
لن يكون من السهل كسر هذه السلسلة. لكن هناك حاجة ماسة الى انتهاج نهج جديد، فالتاريخ يقدم لنا دليلا بشأن كيفية ومكان العثور على الاجابة. فعند العودة بالذاكرة الى اواخر السبعينات. حينها كان يسود شعور عميق ومتجذر باليأس من التضخم الكبير الذي بدا حينها عصيا. السياسيون وصانعو السياسات كانوا على قناعة بأن النظام كان على غير استعداد، وربما غير قادر، على قبول الآلام الناجمة عن العلاج، الا يبدو ذلك مألوفا الآن؟
ويضيف روك في مقاله المنشور في فايننشال تايمز: بدد بول فولكر تلك الفكرة عن طريق دفع معدلات الاموال الفدرالية الى %19 في 1981 وكما كان الانضباط النقدي هو الجواب قبل نحو 30 عاما، اظن انه المخرج الوحيد اليوم من المأزق فبالنسبة لعالم غارق في اعمال الازمة واليأس، فإن «لحظة فولكر» ربما تكون في متناول اليد.
لا اقترح ان تعمل البنوك المركزية على تشديد السياسة النقدية في خضم الازمة، لكن الوقت قد حان لابعاد الخطر المعنوي للسياسة الكلية، التي تعطي الشعور الزائف بالامن الذي توفره السياسة المالية والنقدية المفتوحة مع ترنح العالم من ازمة الى اخرى. ان على البنوك المركزية ان تقودالسياسة الماليةعلى الطريق الصحيح لتحقيق الريادة في استعادة قوة الجذب السياسية عبر وضع استراتيجيات خروج تتسم بالمصداقية والشفافية من خطط التحفيز غير المسبوقة الجاري العمل بها حاليا.
الأمور المطلوبة
ثلاثة امور مطلوبة هنا: هدف واضح لسياسة اسعار الفائدة «الطبيعية» توقعات كلية من شأنها ان تحدد الظروف التي يمكن ان تجعلها طبيعية، وتحديد جدول زمني للتعديلات المزمع ادخالها على سياسة اسعار الفائدة التي من شأنها ان تحقق هذه النتيجة.
وكنموذج على الكيفية التي قد يعمل بها هذا النهج، يمكن النظر في مهام مجلس الاحتياطي الفدرالي:
• الخطوة الاولى: الاعلان عن هدف لاستعادة سعر فائدة الاموال الفدرالية مرة اخرى الى متوسط المدى الطويل عند %2.
• الخطوة الثانية: تحديد فترة ثلاث سنوات من التوقعات الكلية للاقتصاد الاميركي وجدلا تحديد متوسط النمو في الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي والتضخم عند %2،5 ومعدل البطالة الذي تراجع الى %6 بحلول نهاية 2013.
• الخطوة الثالثة: بشرط تحقق ذلك التوقع، اعلان خطة من تسع خطوات للعودة الى الوضع الطبيعي لبلوغ 50 نقطة اساس في سعر الاموال الفدرالية، تمتد على 18 شهرا وتبدأ عندما يهدأ غبار ازمة اليورو.
وختم روك مقاله بالقول: ذلك كان مثالا نظريا لكيفية نجاح وعمل نهج جديد، ولابد من الاعتراف انه بني على توقعات غير كاملة ومرهون لقوى ربما تكبح ذلك التوقع بأي اتجاه، لكنها تملك ميزة تحديد معايير قياسية لاستعادة الانضباط النقدي. وهو امر قد غاب على مدى السنوات الــ15 الماضية، كما انه يتجنب مخاطر دور ردود الفعل غير المتكافئة، التخفيف الشديد للقيود النقدية في اثناء الازمة تليها خطوات صغيرة في مرحلة ما بعد الازمة للعودة الى الوضع الطبيعي والتي سمحت لعلاج ازمة واحدة في بذر بذور الازمة التالية.
ان البنوك المركزية مؤسسات منقوصة، وزاد ذلك الوضع مع تخليها في السنوات الاخيرة عن استقلاليتها السياسية، لقد كانت متميزة ورائعة في خوضها المعركة ضد التضخم لكنها فشلت في ادارة مرحلة ما بعد التضخم، والامل الوحيد امام عالم منكوب بالازمات يبقي في خطة معارك جديدة.
¶ فايننشال تايمز ¶